مقالات
محكمة في
مستقبل النظــام الســياسي في الســودان
د. شمس الهدى إبراهيم
إدريس
(26)
ختـــــــــــام الحديـث
أن الديمقراطيات في الدول المستقرة تختلف من دولة إلى أخري، مما يقود
إلى أن هناك محددات للديمقراطيات حتى نحقق الاستقرار السياسي في أي دولة من الدول
فنجد أن في الولايات المتحدة الأمريكية ديمقراطية مستقرة ولكنها تختلف عن
الديمقراطيات في بلدان مستقرة أخرى كما هو الحال في بريطانيا وفرنسا وسويسرا
والهند وهي الأخرى تختلف ديمقراطياتها عن بعضها البعض وفي ذات الوقت تتمتع
باستقرار سياسي ,كما اتبعت تلك الدول نظاماً ديمقراطياً يختلف عن الأخرى وكل حسب
تكوينه المجتمعي بثقافاته ولغاته وأسلوبه في الحياة الساسية، وأن هناك تمايزاً
سياسياً جسر الهوة بين المكونات الاجتماعية لكل دولة واجتماعاً سياسياً فيه إجماع
عال على شرعية النظام السياسي وتنبع شرعية النظام السياسي , ويشترك المواطن
وقياداتهم في رؤية المصلحة العامة للمجتمع. كما تتميز تلك الدول بمؤسسات سياسية
قوية ومتماسكة ومنظمة ودرجة عالية من المشاركة السياسية الفاعلة تستمد قوتها من
دستورها.
كما أن التطور السياسي في السودان، بدءاً بتجربة الممالك السودانية
ومدلولاتها التي شكلت بنية قاعدية للمخيلة الاجتماعية العامة في السودان، ونجحت
الممالك السودانية في جعل الدين عقداً اجتماعياً ونظام حياة شاملاً وعبره يمارس
السلطان أو الملك صلاحياته من غير إكراه، فقد ارتضت القبائل ومكونات المجتمع
المتعدد الأعراق والقبائل واللغات والأديان والثقافات نظم العلاقات بينها وعززت
التعاون القائم في المجتمع قبل نشأتها.
تميزت النظم السياسية والإدارية في الممالك السودانية بخلق ثقة
متبادلة بين المجتمع الحاكم، فكان ولاء الفرد للجماعة والدولة في درجة أعلى من
ولائه للعائلة والعشيرة، وبالتالي الولاء لمؤسسات السلطة العامة.كما تناول الفصل
فترة الحكم التركي المصري والثورة المهدية إضافة للحكم الانجليزي الذي أزاح أول دولة
وطنية في السودان .فقد كانت تلك الفترات طابعها التحالفات بين الحكومة والمجتمع
وكانت التحالفات هي المحدد الأساسي لنجاح تلك الحكومات وفشلها.
إن السودان يمتاز بتعددية مركبة بها كثير من نقاط الالتقاء بين
المكونات الاجتماعية وهي مكان اجتماع سياسي إذا ما تمت إدارتها بصورة حسنة ويمكن
أن تكون التعددية العرقية والتعددية القبلية تجمعها التعددية الدينية والتعددية
الطائفية ويمكن لتلك التعدديات تجمعها التعددية الحزبية.فهذا يمكن أن يقود لإجماع
سياسي لكل السودان.وهذا يقود إلى إمكانية رسم مستقبل النظام السياسي السوداني من
خلال تلك التعددية بكل أشكالها، وسد الثغرات حتى يتسنى للسودان الاستقرار السياسي.
خُلاصة القول إن مستقبل النظام السياسي في ظل الحراك
الإقليمي والدولي الذي يرتكز على الأقوى سياسياً واجتماعياً،مع التركيز على حرية
الإنسان وكرامته، بالإضافة للمستجدات التي طرأت على المجتمع السوداني من عولمة
وتمرد مسلح وتدخل أجنبي أثر في المنظومة الاجتماعية والسياسية والثقافية في مكونات
المجتمع، مما ضاعف المتغيرات، وبالتالي على التعددية المركبة في السودان. مما صعب
من فرص النجاح للنظام السياسي، لذلك يحتاج الأمر إلى تحالفات سياسية إيجابية
وتقنيات دستورية خاصة.وتعددية مركبة (اجتماعية، وعرقية، وطائفية، وسياسية،
وإقليمية)، يصعب معها تناول القضايا المختلفة بقاعدة الأكثرية والأقلية، ولكنها
تعالج بواسطة المنهج الوفاقي بين الأطراف المختلفة. وهذا يحتاج لوعي ديمقراطي كاف،
والاهتمام بالقيم التي تحقق التعايش السلمي بين الشركاء في العملية الديمقراطية،
للنهوض بالنظام السياسي.وأن النظام البرلماني أدى إلى عدم استقرار الحكومة وأنه
نظام غير فعال ويحتاج إلى وعي وادراك سياسيين عاليين إضافة إلى تعميق التجربة
الحزبية .وأوفق للسودان النظام الفدرالي الذي من شأنه أن ييسر معالجة القضايا
الحيوية التي لايحسمها عدد الأصوات ولابد للمكون المحلي أن يكون له دور في
حلها.فالنظام الفدرالي تكون فيه السلطات مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية
(فدرالية) أو (اتحادية) وحكومات ولايات أو أقاليم، ويكون كلا المستويين من الحكومة
معتمداً على الآخر،ويتقاسمان السيادة في الدولة، أما ما يخص الولايات والأقاليم
فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية
والتنفيذية والقضائية، ويكون ذلك منصوصاً عليه في دستور الدولة، بحيث لايمكن
تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.
هذا يضمن
توزيع السلطات، ويجسد نظام الحكم تقسيماً كبيراً في السلطات بين المركز والأقاليم
أو الولايات، على أن يستقي النظام الفدرالي سلطاته من الدستور وهو السلطة العليا.
إذن
الفدرالية توفر نظاماً دستورياً قوياً تستند إليه التعددية، وتعزز الديمقراطية النيابية
عبر توفير مواطنة مزدوجة في مجتمع جمهوري. إن النظام السياسي المستقبلى هو النظام
الذي يستوعب التعددية المركبة عبر حكم فيدرالي رئاسي، يعتمد على التمثيل النسبى
لاستيعاب المجموعات السياسية الصغيره ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة في الحكم
وفق دستور متفق عليه.
حقائق
1. السودان بلد يتمتع بتعددية
مركبة، ورغم تشابهه لدول عديدة بها ديمقراطيات مستقرة، ولكنه فشل في تحقيق ذلك
الهدف.
2. فشلت التجارب الديمقراطية التي
مرت على السودان في خلق نظام سياسي مستقر للأسباب الآتية:
أ.
التنكر للتفويض الشعبي.
ب.
الاعتماد على الولاء الطائفى
بدلاً من الفكر السياسي الذي يقود إلى المواقف المستلغة.
ج.
ضعف المؤسسات السياسة .
د.
لم تتكيف الأحزاب مع الوضع
السياسي القائم فاتجهت إلى سياسة إقصاء الآخر.
ه.
غياب المنهج الوفاقي بين القوى
السياسية وغياب البرنامج القومي المشترك، بل غياب منهج التسويات.
و.
استبدلت القوى السياسية مبدأ
التداول السلمى للسُلطه بالقوة العسكرية.
3. فشل التجارب العسكرية التي مرت
على السودان في خلق استقرار سياسي، يرجع ذلك إلى الآتي:
أ.
انتقل المجتمع إلى مرحلة
المُشاركة السياسية دون تطور مؤسسات سياسية فاعله.
ب.
القادة العسكريون غير مقتنعين
بحُكم البلاد عسكرياً.
4. من نتائج البحث أن هناك قناعة
لنبذ الحُكم الإستبدادي واحتكار السلطة بالقوة.
5. تاريخ تطور النظام السياسي مبنى
على تحالفات بين تعددياته وأن التحالفات هي المحدد الأول في نجاح واستمرار
الحكومات وفشلها.
6. إن الاجتماع السياسي هو أحد
مرتكزات أي نظام سياسي، وأن النظام الذي يعتمد على شخص واحد هو أقل الأنطمة
السياسية استقراراً.
7. تدنى الفاعلية والشرعية
للمؤسسات السياسية الموجودة يقود دائماً إلى اللجوء إلى القوات المسلحة.
8. غياب التراث الفكري للتعايش
السلمي أدى إلى غياب الديمقراطية .
9. أفرزت الثورة الفكرية خيارات
سياسية بين بدائل متعددة ذات حيارات، مما زاد من الوعى السياسي للقواعد الشعبية
بشكل يصعب على أي نظام سياسي تجاوزها.
10.
تعنت الحزب صاحب الأغلبية في توزيع المسؤوليات وعدم مقدرته على طرح
رؤى تقرب بين الأحزاب الفاعلة حتى تقبل المشاركة في برنامجه. أفشل النظام البرلماني.
11.
عدم ملاءمة النظام البرلماني مع ظروف السودان.
12.
دخول المجتمع في العالم الرقمي مما فرض واقعاً وسلوكاً سياسياً
جديداً يحتاج لأُطر تنظيمية وفق معطيات جديدة.
13.
فرضت العولمة والحراك الإقليمي الدولي واقعاً جديداً قوامه احترام
حقوق الإنسان والحُريات والديمقراطية، مما يتطلب ثقافة الحوار بدلاً من الامتناع
والتمترس .
14.
بروز نشاط دولي وإقليمي غير مرفوض من قِبل بعض القوى السياسية
والتعامل معه.
15.
العولمة والتدخل الأجنبي أفرزت واقعاً جديداً دخل فيه العمل المسلح
والتمرد مما أثر على المنظومة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وأثر كذلك على
التعددية المركبة في السودان.
ما
المطلوب
·
اعتماد
الحكم الفيدرالي كمنهج للحكم في السودان.
·
اعتماد
النظام الرئاسى لخلق نوع من الرقاية والتوازن المتبادل.
·
التركيز على
التمثيل النسبى في الانتخابات لتحقيق مُشاركة المجموعات السياسية الصغيرة.
·
عمل دستور
دائم تشارك فيه كل المكونات السياسية السودانية، ويكون للولايات دستور خاص بها.
·
الاستفادة
من تجارب الممالك الإسلامية في التعايش السلمي وقبول الآخر. والابتعاد عن سياسة
الإقصاء والاعتراف بالآخر.
·
إدخال
منظمات المجتمع المدني كمنظومة حديثة في إدارة البلاد.
·
استيعاب
القوى الاجتماعية التي اكتسبت وعياً اجتماعياً جديداً نتيجة العولمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق