الأربعاء، 30 أكتوبر 2019


مقالات محكمة في
مستقبل النظــام الســياسي في الســودان
د. شمس الهدى إبراهيم إدريس
(21) النظم العسكرية
إن التدخل العسكري في المجتمع يكون عادة تجاوباً مع تزايد النزاع الاجتماعي بين عدد من فئات المجتمع، بالإضافة إلى تدني مستوى الفاعلية للمؤسسات السياسية .
الانقلابات العسكرية هي وسيلة للضغط على السلطة أكثر منها وسائل ممارسة لسلطة، فهي ليست أشكالاً لنشاط رسمي أو لنشاط تقوم به تجمعات وظائفها الأولية غير سياسية بالدرجة الأولى، فإن التدخل العسكري في العمل السياسي يختلف كثيراً من مرحلة إلى أخرى ([1]).
إن وسائل الضغط السياسي عند الإزاحة عن المناصب تكون الوسيلة المباشرة لتحقيق ذلك هي الانقلاب العسكري، وإذا كانت القوات المسلحة متطابقة إلى حد كبير مع الحكومة أو مخلصة في ولائها يزيد ذلك في العنف السياسي للفئات المتطلعة إلى المشاركة في النشاط السياسي، ويحدث ذلك إذا كانت الحكومة المنتخبة ليس لها مؤسسات سياسية فاعلة، والعكس إذا كانت ولاءات القوات المسلحة للحكومة التي تتمتع بمشاركة الفئات المجتمعية الفاعلة في السلطة تكون تلك الحكومات في أقوى حالاتها والعكس .
الخصائص المميزة للانقلاب باعتباره تكتيكاً سياسياً هو جهد يبذله تحالف سياسي بشكل غير شرعي لاستبدال الزعماء الحاكمين بواسطة العنف أو التهديد باستخدام العنف.
ويكون الانقلاب العسكري الذي ينجح في إيصال القوات المسلحة إلى السلطة عملاً سياسياً وعسكرياً في الوقت نفسه، إثر نتاج لتحالف جماعات تضم مدنيين وعسكريين أنفقت وقتاً طويلاً في الإعداد له .كما أن الانقلابات العسكرية تدخل الطبقة المتوسطة في الحكم([2]).
السودان مر بثلاثة أنظمة عسكرية، أخذت جل الفترة التي أعقبت الاستقلال، ومرد ذلك أن المقدار الذي تتوصل إليه المؤسسات العسكرية في السودان يعود إلى ضعف المنظمات السياسية المدنية، وعجز الزعماء السياسيين المدنيين عن معالجة مشكلات السياسة العامة التي تواجهها البلاد([3]).
فشلت تلك الأنظمة العسكرية في السودان في تحقيق الاستقرار السياسي، ولتلمس مكامن الفشل تم دراسة النظم العسكرية الثلاثة في السودان عبر المطالب الآتية:
الحكومة العسكرية الأولى 1958- 1964م
جاءت الحكومة العسكرية التي أعقبت الفترة الديمقراطية الأولى، عقب صراع بين الأحزاب السودانية حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي والحزب الوطني الاتحادي، حيث قدم رئيس وزراء الحكومة اللائتلافية بين طائفتي الانصار والختمية بعد موافقة زعيمى الطائفتين تسليم السلطة لقيادة الجيش تحت رئاسة الفريق إبراهيم عبود، بهدف قطع الطريق أمام الحزب الوطني الاتحادي الذي حشد قواعده لخوض الانتخابات. وكانت الحكومة العسكرية أشبه بالشراكة بين العسكر وقيادة طائفة الأنصار تساندها بعض القوى السياسية([4]).
كانت أولى خطوات اكتساب الشرعية للنظام العسكري العمل على إنشاء قاعدة من التأييد الشعبي، ولا يعني هذا تعيين النخب السياسية المهمة في النظام، ولكنه ربط جماعات لها أهداف مختلفة في تحالف سياسي يساعد على ضمان سلامة النظام([5]).
 بعد أن تم حل الأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابية، وتم تعيين مسئولين عسكريين على المديريات التسع من ضباط الجيش، بالإضافة للقيادة العليا ومجلس الوزراء من العسكريين، أي أنها حكومة عسكرية عدا وزير خارجيتها([6]).
واجهت حكومة عبود العسكرية عدداً من المحاولات الانقلابية من بعض فصائل الجيش، مما أدى إلى تحولات سياسية، وبدأت مرحلة جديدة قوامها الاستعانة ببعض العناصر المدنية من ذوي الكفاءات والخبرة، وبدأت الفكرة في إشراك المواطنين في اتخاذ القرار، أي فكرة تنازل العسكر عن السلطة([7]).فقد شرع النظام العسكري بإجراء انتخابات للمجالس المحلية في المديريات التسع، ثم تطور الأمر بتكوين المجلس المركزي الذي له السلطة في البلد ويتم اختياره عبر انتخابات مجالس المحليات، فقد وجدت المجالس المحلية والمجلس العسكري تأييداً من بعض مكونات المجتمع وزعماء القبائل، وكانت تلك الخطوة محاولة لانتقال الحكم من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، وهذا بدوره يقود إلى عدم اقتناع العسكريين باستمرار النظام العسكري، ومحاولة لتبرير الانقلاب العسكري وأنهم جاءوا بالقوة لحماية البلد، وهاهو سلم السلطة للشعب.
رغم ذلك لم تهدأ القوى السياسية الرافضة للحكم العسكري، وبدأت في تعبئة النقابات والطلاب، مع استعار الحرب في الجنوب، الأمر الذي أفشل التجربة برمتها، وتحرك تنظيم الأحرارمع تصاعد الثورة الجماهيرية في أكتوبر، وتم الإضراب العام، مما جعل قيادة الحكومة أن تتنازل عن السلطة بدلاً من مواجهة الثورة. وبذلك تكون انتهت الحكومة العسكرية الأولى في السودان مخلفة إشارات عديدة ممثلة في أن الجيش استلم السلطة من حزب كان على قمة السلطة الديمقراطية وهو حزب الأمة، كما أن النظام بدأ عسكرياً ثم تدرج نحو النظام المدني وفتح باب المشاركة الشعبية، وتنازل النظام العسكري إلى حكومة انتقالية لإنشاء نظام ديمقراطي.



([1])  صموئيل هانتنغتون -  ص 220- 234 .

([2])  المصدر نفسه -  ص226.

([3])  المصدر نفسه -  ص232.

([4]) شمس الهدى إبراهيم إدريس- المؤبدون في سجن الوهم – مصدر سبق ذكره – ص 147.

([5]) أ.د. حسن على الساعوري – عسكريون ساسة نظرية التحول الذاتي للحكم المدني- التجربة السودانية – الطبعة الاولى – مطابع السودان للعملة 2003م- ص 29.

([6]) عبد الرحمن محمد حامد – من ضيع السودان –الجزء الأول – مطبعة جامعة الخرطوم 1991م – ص 83 .


([7]) أ.د. حسن على الساعوري- كيف يحكم السودان – مصدر سبق ذكرة – ص 154- 155.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق