الأربعاء، 30 أكتوبر 2019


مقالات محكمة في
مستقبل النظــام الســياسي في الســودان
د. شمس الهدى إبراهيم إدريس
(22) النظام العسكري الثاني (مايو 1969- 1985م)
اشتد الصراع السياسي بين القوى السياسية إبان فترة الديمقراطية الثانية بعد أن انهارت التحالفات السياسية التي وصلت إلى حل أحد الأحزاب السياسية الفاعلة في تلك الفترة (الحزب الشيوعي)، حبث حرم عليه ممارسة النشاط السياسي .فدبرانقلاباً عسكرياً بالتعاون مع تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش، وأعلن نهاية النظام الديمقراطي وبدأ الحكم العسكري الثاني([1]).
النظام العسكري كان تحالفاً بين قيادات من الجيش وقوى اليسار بقيادة الحزب الشيوعي، وجاء النظام يحمل في طياته أحقاداً وغبناً ونزعة عارمة للانتقام من أعداء المرحلة الديمقراطية الثانية، بالتالى فقد النظام عنصر الاستقرار السياسي منذ يومه الأول([2]).
تكونت السلطة الحاكمة من عسكريين في قمة قيادة الثورة ومدنيين في رئاسة مجلس والوزراء، وأعلن حل كل الأحزاب والتنظيمات السياسية والاتحادات النقابية – عدا الحزب الشيوعي والناصري وحزب البعث .وكونت منظمات مجتمع مدني موالية للنظام تكون وعاء يستوعب جموع الشعب([3]).
انهار التحالف بين الحزب الشيوعي وقيادة الانقلاب، وحدثت محاولات انقلاب عسكري ولكنها فشلت فبدأ النظام العسكري يفكرفي فتح المجال للمشاركة السياسية والبحث عن متحالفين جدد، فدخلت قيادات حزبية وأخرى غير حزبية في منظومة النظام، وحاول النظام العسكري إنشاء حزب سياسي واحد (الاتحاد الإشتراكي) يجمع فية الكل وأن تكون المشاركة السياسية من خلاله، مع تعيين مجلس للشعب- أي اتجه النظام العسكري إلى نظام الحزب الواحد وكانت تلك الخطوة هي محاولة لتحويل النظام العسكري إلى نظام مدني- أي من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية.
واجهت النظام العسكري معارضة من القوى السياسية التي حاولت استلام السلطة بقوة السلاح في 1976، ولكنها لم تنجح هي الأخرى، مما قاد إلى ان يستجيب الطرفان إلى الحوار والمصالحة، وكانت نتيجتها دخول قيادات تلك الأحزاب في الاتحاد الإشتراكي، وبالتالي المشاركة في السلطة.
هذا الوضع لم يستمر كثيراً، وسبب ذلك هو أن النظام العسكري رغم اتجاهه للمشاركة السياسية الواسعة، ولكنه حدد قنوات المشاركة عن طريق الاتحاد الاشتراكي وقوى الشعب العاملة، مما أحدث صراعاً سياسياً عميقاً بين القادمين الجدد(المعارضة) وأنصار النظام القدامى، واقتنعت المعارضة المتصالحة مع النظام، أن القرار النهائي ما زال عند الرئيس العسكري فخرج البعض واستمر آخرون([4]).
عموماً اتجه النظام العسكري إلى التحالفات السياسية مع الأحزاب وبعض زعماء القبائل التي أيدت نظام الحكم، ولكنه انتهج نظام الحزب الواحد للممارسة السياسية، و فشل في تحقيق نظام سياسي مستقرنتيجة عدم عنصر التجانس السياسي والتماسك الوطني، وبالتالي التعايش والانسجام والتوافق السياسي.
كما أن النظام العسكري دخل في الفترة التي امتدت من1969- 1985م في تحالفات بدأت باليسار وانتهت بتحالفات مع اليمين حتى السقوط، بعد أن فقد كل حلفائه السياسيين في مراحله السياسية، مما أدى إلى سقوط النظام عبر انتفاضة شعبية في أبريل 1985م شارك فيها النقابات والطلاب بفاعلية، وانحازت المؤسسة العسكرية للشارع وأنتهى الحكم العسكري الثاني .
خلاصة القول: إن الحكم العسكري جاء عن طريق الجيش بالتعاون مع حزب سياسي فاعل وليس المؤسسة العسكرية، وأقام نظاماً سياسياً حل بموجبه الأحزاب والنقابات والتنظيمات السياسية القائمة، وأنشأ تنظيمات سياسية بديلة موالية لاستيعاب الجماهير،كما كون حزباً سياسياً واحداً تمارس السياسة من خلاله ولم يتح للقوى السياسية ممارسة العمل السياسي حسب رغبتها، وحاول إشراكها بالطريقة التي يراها أي القائد العسكري هو صاحب القرار مما شل التجربة.



([1]) أ.د. حسن على الساعوري – كيف يحكم السودان مصدر سبق ذكره – ص  156.
([2]) شمس الهدى إبراهيم إدريس – المؤبدون في سجن الوهم  مصدر سبق ذكره - ص 165.
([3]) أ.د. حسن على الساعوري – كيف يحكم السودان مصدر سبق ذكره – ص 157.
([4]) أ. د. حسن على الساعوري كيف يحكم السودان مصدر سبق ذكره – ص 159.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق