الاثنين، 28 أكتوبر 2019

مقالات محكمة في
مستقبل النظــام الســياسي في الســودان
د. شمس الهدى إبراهيم إدريس

(3)الديمقراطية البريطانية
كانت المؤسسة الملكية في بريطانيا العظمى تقبض على السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، حيث جمع الملوك كافة وظائف الدولة، ثم تحول بعد مرحلة تأريخية إلى ملكية مقيدة، وانتقلت اختصاصاتها إلى السلطات العامة، فلم يعد لها إلا دور أدبي، وأصبحت في الوقت الحاضر تمثل تجسيداً لمشاعرالولاء والوطنية لدى الشعب البريطاني، وابتعدت المؤسسة الملكية عن إدارة شئون السلطة لأسباب واقعية حتى استقر ذلك الأمر وأصبح بمثابة العرف.
أهمل الملوك شئون الحكم معتمدين في ذلك على الوزراء ورئيس الوزراء. ولعل الملك جورج الأول(1660-1727) الذي كان ألمانياً ولا يجيد اللغة الإنجليزية، واكتفى بالاطلاع على قرارات مجلس الوزراء دون المشاركة في جلساته، وقد اتبع خلفاءه هذا التقليد، ويعتبر الملك جورج الأول أول من اتخذ شخصية تحت لقب رئيس الوزراء، وساد هذا المبدأ في النظام البرلماني في بريطانيا العظمى، وهو لم يمارس شئون الحكم وترك ذلك للوزراء ولا يباشر اختصاصاته إلا بواسطة الوزراء، وهذه القاعدة تؤكد عدم المسئولية السياسية لأن الملك غير مسئول أمام البرلمان عن الحكم، لذلك عبر عنه دستورياً بأنه ( يملك ذاته مصون لا تمس) (الملك لايخطي)([1]).
واجهت نشأة الأحزاب في بريطانيا بمعارضة في كافة مستويات المجتمع الانجليزي, ولم يعتمد مجلس العموم البريطاني فكرة إنشاء الأحزاب السياسية باعتبارها خطراً على مبدأ الاجماع الذي كانت تخضع له قراراته, وكذلك الأمر من وجهة نظر المواطن الانجليزي الذي يعتبرها خطراً يهدد وحدة الأمة وتقسيم المجتمع الانجليزي ([2]).
توجد في بريطانيا ثلاث مؤسسات رئيسية هي الملكية، والوزارة والبرلمان وتشمل كل واحدة من هذه المؤسسات موقعاً مميزاً في تكوين النظام السياسي.
المؤسسة الملكية يتم اعتلاء عرشها بالطريقة الوراثية وليس عن طريق الانتخاب، فالوراثة هي الطريقة الوحيدة التي من خلالها يتم الدخول إلى الحكم في بريطانيا العظمى، وهو أمر يحكمة الدستورالبريطاني([3]).
اتفق البريطانيون على أن يكون في نظامهم السياسي وجود ملك للحفاظ على دور المؤسسيين الأوائل للحكم في بريطانيا منذ جورج الأول، باعتبار أنه مبعث الوطنية في المجتمع البريطاني المتعدد في تكويناته الداخلية . يقوم النظام السياسي البريطاني على هيئات مركزية هي:
أولاً: السلطة التشريعية:
 البرلمان كسلطة تشريعية يتكون من مجلسين هما مجلس اللوردات ومجلس العموم. يتكون مجلس اللوردات – ويعين اللوردات الملك, ويتمتع اللوردات بسلطات واختصاصات مساوية لمجلس العموم في المجالين التشريعي والمالي ويتولي محاكمة الوزراء المتهمين في العموم .
مجلس العموم هو المؤسسة التي حققت حكم الشعب , وهو الذي يمنح الثقة للرئيس ويعين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء من الملك وهما أي الرئيس ومجلس الوزراء ينتمون للحزب صاحب الأغلبية في مجلس العموم ويتكون المجلس من المجموعات السياسية للمجلس وهناك مجموعتان سياسيتان كبيرتان للأغلبية والمعارضة, هاتان المجموعتان تشكلان حلقة وصل بين الشعب والحكومة, وتشكل لجان مجلس العموم لجان دائمة غير متخصصة تتولي مناقشة بعض المواضيع (هذا خلافاً للنظام الأمريكي) ويمكن لمجلس العموم أن يسحب الثقة من الرئيس لأنه هو الذي يصوت له (أي أن الرئيس تحت رحمة البرلمان ) هو أيضاً خلافاً للنظام في الولايات المتحدة الأمريكية , وهذا ما اطلق عليه صفة (ثنائي منضبط).
ثانياً: السلطة التنفيذية:
يمثل مجلس الوزراء السلطة التنفيذية، ويقوم برسم السياسات العامة للبلاد ويحكم باسم الملك أو الملكة، ويعتبر البرلمان هو المرجع القانوي في البلاد.
النظام السياسي والتنظيم الحزبي
النظام السياسي البريطاني نظام ملكي دستوري منضبط حتى عام 2010, ويتمتع النظام الحزبي البريطاني بقدرة على حشد وتنظيم الجماهير، وتزداد أهمية الأحزاب من خلال الدور الذي تؤديه الأحزاب في الديمقراطية المعاصرة لأنها أداة الوصل بين الجماهير والسلطة وبالتالي التأثير الجماهيري المباشر في السلطة من حيث اختيار أعضائها والرقابة على أعمالهم.
في بريطانيا ثلاثة أحزاب سياسية رئيسية هي حزب المحافظين وحزب العمال وحزب الديمقراطية اللبرالية وهناك سلطات لمكونات بريطانيا (المملكة المتحدة) وأشبه بالنظام الفيدرالي بين الانجليز وايرلندا الشمالية واسكتلندا.
أركان النظام البرلماني البريطاني ترتكز على :
أ – ثنائية السلطة التنفيذية (الرئيس والحكومة).
ب – عنصر التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
رغم اختلاف الممارسة وهياكل الدولة والوصف الوظيفي لمؤسساتها وطريقة الانتخابات ومشاركة المجتمع البريطاني, عما يدور في النظام الديمقراطي المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية لكن نجدهما يتسقان ويلتقيان في الإجماع السياسي في البلدين .
 يلاحظ أن هناك التزاماً وروابط بين الجماعات وهو أمر تميز به المجتمع في بريطانيا العظمى وهذا قاد إلى الاجتماع السياسي الذي بدوره أدى إلى مؤسسات سياسية ذات كيان مستقل عن القوى الاجتماعية التي أنشاته , وهذا يعكس قوة التنظيمات والإجراءات السياسية في المجتمع, وبالتالي قوة المؤسسات القومية جراء الاجتماع السياسي. وهذا أدي إلى ديمقراطية عالية المستوى وناجحة ومستقرة
تقوم الأحزاب السياسية في بريطانيا بدور كبير في تكوين النظام السياسي الإنجليزي، وهي التي تعطي الدافع للنظام والحكومة، وتكون الحكومة مكونة من حزب واحد في حالة حصوله على الأغلبية وعندما يفوز في الانتخابات يعتلي سدة السلطة. ويصبح زعيم الحزب رئيساً للوزراء بتكليف من الملك، ويختار وزراء حكومته من أعضاء والحكومة مسئولة عن أعمالها أمام البرلمان([4]).
النظام الحزبي يمتاز بصفات ثلاث([5]):-
الأول: أن الأحزاب يجب أن تكون دائمة النشاط لاحتمال حل البرلمان في أي وقت ولما يستلزمه ذلك الحل حتماً في إجراء انتخابات عامة .
ثانياً: الميل الكبير في داخل الشعب الإنجليزي إلى تنظيم الحركة الحزبية على أسس بسيطة التحالف كما هو متبع في معظم البلاد الديمقراطية الأخرى.
ثالثاً: أنه ليس لأحد سيطرة على الأحزاب ,ففي وسع أي شخص تشكيل حزب سياسي.
الانسجام الاجتماعي والسلوك الانتخابي
تتعدد العرقيات في بريطانيا حيث تصل إلى أكثر من خمس عشرة قومية وعرق (بريطانيين – عرب – هنود – صينيين – باكستانيين – أفارقة – ايرلنديين – بنغلاديش – وغيرهم من الأعراق الأخرى).
لغة بريطانيا هي اللغة الانجليزية بالإضافة إلى لغات أخرى مثل الفرنسية واليونانية واللاتينية والاسكندنافية والعربية وغيرها من اللغات الاخرى , وكما توجد لغات منحدرة من اللغة الإنجليزية الأصلية في بريطانيا، ودينها المسيحي وفق تعاليم كنيسة إنجلترا (بروتستان يمثلون 71%) إلا أن المجتمع البريطاني متعدد الأديان ويعسى دائماً إلى تعزيز التسامح والانسجام الديني, حيث تمارس شعائر كافة المعتقدات بحرية كاملة.
بريطانيا دولة متعددة الثقافات وتتكون من أربع دول متحدة وكل منها محافظ على تقاليده ومميزاتها الثقافية المتنوعة([6]).
تعتبر بريطانيا مركزاً مهماً للانسجام العرقي والديني واللغوي والثقافي، مع الحفاظ على الهوية الحضارية البريطانية، لهذا المجتمع البريطاني من أكثر المجتمعات على المستوى العالمي تعدداً في الأديان ويسعى إلى تغزيز حق الاعتقاد وممارسة الشعائر وزرع التسامح.
كما أن الرمزية الملكية للمجتمع بريطاني هي العاصم من ويلات التعدد الثقافي والاجتماعي والإثني والديني في المملكة المتحدة، ما كفل التوازن بين الملك والبرلمان، وأصبحت الملكية لها سلطات تشريفية حافظت على ثقلها التأريخي ومكانتها الرمزية في نفسية الشعب البريطاني ووعي طبقته السياسية، كما أصبحت رمزاً تأريخياً في بريطانيا وأحد الثوابت التي استقام عليها نظامهم السياسي وتطوره واستقراره بالتوافقات السياسية والاندفاع من أجل إعلاء قيم الحرية والديمقراطية([7]).
يستند النظام السياسي البريطاني إلى أساس المجموعات الاجتماعية التقليدية ممثلاً في الملك ومجلس اللوردات والنبلاء وذلك ليكونوا بمثابة الجدار المتين للتماسك الاجتماعي وفي حل الصراعات الاجتماعية إبان التحول الديمقراطي من السلطوية الملكية إلى الدولة الديمقراطية الحديثة[8].
خلاصة عوامل الاستقرار السياسي في بريطانيا
·  يتمتع النظام الحزبي الريطاني بقدرة على التنظيم وحشد الجماهير لما يتمتع به من أداة وسيطة بين الجماهير والسلطة وما يمثله ذلك من عقبة أمام تأثير الجماهير المباشر على السلطة من حيث اختيار أعضائها والرقابة على أعمالهم، وبذلك يكون للأحزاب السياسية في بريطانيا أهمية كبيرة في بناء وتكوين النظام السياسي، ويميل الشعب الإنجليزي إلى تنظيم الحركة الحزبية على أسس بسيطة تخالف ماهو متبع في معظم البلاد الديمقراطية الأخرى، وليس هناك سيطرة على الاحزاب وتكوينها أو إنشائها وفي وسع أي شخص تشكيل حزب سياسي.
·  أن النظام البريطاني راسخ منذ خمسمائة عام، وهذا الرسوخ يرجع إلى أنه نظام متدرج ويتمع بقدر من المرونة في الانتقال من الملك وتنازله عن سلطاته لمصلحة الجماعات الحديثة وشاركتها في السلطة بهدف الاصلاح الاجتماعي والحضاري والاقتصادي، بالإضافة إلى فتح المجال لامتداد رقعة السلطة، مما أدى إلى غياب التعصب للرأي، وبالتالي حافظ الملك على النظام الملكي بأعتباره المصدر الرئيسي للسلطة في النظام السياسي وقلص تأثيرات التنازع بسبب انتشار الوعي السياسي.كما أن التدرج والمرونة قاد الى ملكية دستورية، يتولى الملك العرش ولكنه لايحكم.
·  الأحزاب السياسية متطابقة مع المجتمع البريطاني، حيث هناك تمثيل طبقي للأحزاب (أغنياء ومتوسط وفقراء)، وهذا التمثيل يقود إلى أن التوجه العام يسير نحو ثلاث أحزاب ليستوعب التمثيل الطبقي في المجتمع البريطاني، أي تتجه بريطانيا العظمى إلى التعددية الحزبية بدلاً من الثنائية الحزبية.
·  يلتزم النائب البرلماني برنامج الحزب الانتخابي،أي الفكر السياسي يغطي على التمثيل النيابي، بمعنى أن النائب البرلماني لا يمثل أهل الدائرة ولكنه يمثل برنامج الحزب، هذا الشكل أدى للانضباط الحربي، وإذا حاد النائب عن برنامج الحزب يرفت من الحزب.
·   أما النظام البرلماني. فحزب الأغلبية يتصرف وكأنه دكتاتور، ومن حقه أن يعمل أي شيء بما فيه حل البرلمان ولكن لم يحدث ذلك.


([1]) ربيع حيدرالموسوي/أزمة العرش البريطاني/جامعة الكوفة العراق/ ص9.
([2]) اصدارة مركز بابل العدد الأول عام  2011م ص  21 – 22.
([3]) ربيع حيدر موسوي مصدر سبق ذكره- ص 3.
([4]) عادل ثابت- النظام السياسي- الاسكندرية-دار الجامعة الحديثة للطباعة والنشر 1999 ص 55.
([5]) المصدر السابق ص 23.                                     
([6]) صمويل هنتنتون – مصدر سبق ذكره  ص 7.
([7])  مالكي أحمد- القانون الدستوري والمؤسسات السياسية- مراكش الطبعة الأولى 1997م –ص 69.
([8]) د- عبد اعالي عبد القادر – النظم السياسية المقارنة 2007م – ص 36.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق