الحرمان النشط استراتيجية أمريكا الجديدة تجاه السودان
د.شمس الهدى إبراهيم إدريس
تعرض
السودان منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من تنفيذ طريق المعونة إبان حكم
الفريق عبود . عقب وقوف القوى اليسارية موقفاً متشدداً ورافضاً للمعونة الأمريكية .كان مخخط للطريق أن
يربط السودان بجمهورية مصر العربية، حيث بدأ العمل من المحطة الوسطي بالخرطوم بحري
حتى وصل منطقة شمبات شمال بحري .ثم توقف
عقب المظاهرات التي خرجت ضد الولايات المتحدة الأمريكية ، التي قامت بها بعض القوى
السياسية النافذة في ذلك الزمان ، كجهة مناهضة لأمريكا لصالح الاتحاد السوفيتي . وكانت
الهتافات وقتها (down. down. USA) ، الأمر الذي
أدى لانسحاب الشركات الأمريكية من السودان. فما كان نصيب السودان إلا الضغط من قبل
مجموعات الضغط المؤثرة في السياسية الخارجية الأمريكية. وأصبح السودان في (البلاك
لست) لتلك المجموعات المؤثرة في الولايات المتحدة الأمريكية. ولم تحظى منذ ذلك
التاريخ أي حكومة سودانية بدعم وسند سياسي أمريكي. بل كان الموقف الأمريكي تجاه
السودان طابعه عدم الدعم والتقدير المطلوب . وهذا الموقف استمر هكذا مع كل الحكومات
المنتخبة أو العسكرية.
هذه
المقدمة البسيطة تؤكد أن أن موقف الولايات
المتحدة تجاه السودان ثابتة على غاياتها وأهدافها ،لم تتغير بل ظلت برامجها
وانشطتها كما هي. فالاستراتيجية تقول "أنه
لا يسمح للسودان استغلال مواردة ولا يسمح له بالافلات من السيطرة وتحت التقييد"
وأن يكون لاهثاً وراء الاستقرار ومكافحة ضنك العيش، ومشغولاً بقضاياه الداخلية.
فاستخدمت في تحقيق ذلك تباينت وأشكال في التعامل معه ، وتأرجحت بين الشد
والجزب.وكل حكومة تأتي للسلطة تحاول الإدارة الأمريكية التقرب منها ، وعند ما لا
تجد ما تريده منها صدت عنها. بقض النظر من أنها حكومة منتخبة من الشعب ، أو حكومة
عسكرية. فكان ذلك المنهج مع كل الحكومات السودانية. فآخر الاستراتيجيات المرحلية
هي استراتيجية الحرمان النشط، أو استراتيجية الردع عبر المنع. وتعتمد هذه الاستراتيجة
على استدراج الدولة وإشغالها بمشاكلها الصغيرة التي تصرفها عن قضاياها الوطنية
الكبيرة ، وتهدر قدراتها بمعارك استنزافية تدريبجاً. وبالتالى شلها من تحقيق أي
تقدم سياسي أو عسكري أو أمني يحقق الاستقرار.
بالنظر
لعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع الدولة السودانية تجد هذه الاستراتيجيو
واضحة المعالم والملامح. حيث تعتبر واشنطن أن الخرطوم من الدول المتعاونة في
مكافحة الإرهاب وتجارة البشر والهجرة غير الشرعية. كما تعتبرها صمام أمان لاستقرار
المنطقة. وذات الوقت تضعها في قائمة الدول الراعية للإرهاب. وهذا الوضع من ناحية
العلاقات الدولية مختل ،وأن النظرة الأمريكية لوضع السودان ملي بالتساؤلات ، أولها
كيف تقول أن السودان دولة متعاونة في مكافحة الإرهاب وتضها في ذات الوقت أنها دولة
ترعى الإرهاب. والتفسير القوي لما يحدث هو الاستراتيجية التي ذهبنا إليها.
فالمتابع يلحظ أن الولايات المتحدة الأمريلية أنها تستخدم هذه الاستراتيجية
باعتبارها توفر بديلاً عملياً في مواجهة أي أمة تحاول النهوض والاستقرار. وتجعل
الدول في حالة دائمة من عدم استقرار .
أتاحت
هذه الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية أن تمارس على السودان أقصى درجات
الضغط . فاستخدمت العقوبات الإقتصادية ، والتهديدات هنا وهناك. مع الاعتماد على
دعم الشركاء والحلفاء الإقليميين في
ممارسة ضغوط على السودان علاوة على حثهم على الحد من التفاعل والتعاون مهه ، ويهدف
هذا لتحقيق أهداف طويلة المدى وتغير الدولة لسلوكها.فكشفت الأزمة الأخيرة التي
أفضت لمظاهرات التي بدأت بقضايا المعاش وتطورت للمطالب سياسية برحيل النظام . هذه
الاستراتيجية واشكالها.التي سعت لتفكيك التحالفات السابقة الدولة السودانية للإنفراد بها وتطويعها وتغيير اتجاهها ،
والتكتيك الثاني هو الوقيعة بين السودان وبعض اصدقاؤه وحث بعض الدول بالوقوف في
الحياد.باستخدام الوقيقة الناعمة والوقيعة الخشنة. واللعب على التقارب الفكري مع
بعض القوى السياسية الداخلية .
إذاً
ممارسات اللولايات المتحدة مع السودان لا يحكمها المنطق ، بل تحكمها المتناقضات.
ومرد ذلك هي النظرة الأمريكية للسودان كمخزون استراتيجي للموارد التي تدخرها
لأجيالها القادمة . ولن يتحقق ذلك إلا أن يكون السودان في حالة عدم استقرار سياسي
وأمني . ولايات المتحدة على يقين إذا ترك السودان وشأنه سيكون دولة لها مكانتها
السياسية والإقتصادية في العالم العربي والإسلامي .وهذا الأمر الذي لا تريده
أمريكا وقادتها المتعاقبين على حكمها. وهي الاستراتيجية الأمريكية الأم التي لا يمكن أن يتخطاها أي رئيس أي كان.
لجأت
الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الاستراتيجية بعد فشلت كل تكتيكاتها السابقة
لتحقيق أهدافها ، ودرست بشكل عميق طبيعة الشعب السوداني مهما تغيرت الحكومات
وأيدولوجياتها. حيث أقفت طريق المعونة في حكومة عبود، كما أنها لم تتعاون مع
الحكومة المنتخبة عقب ثورة أكتوبر، وكان ذلك الحال مع حكومة مايو العسكرية حتى بعد
أن أتجه إليها، وكذا الحال مع حكومة الصادق المهدي عقب إنتفاضة أبريل 1985، وحكومة
الانقاذ التي ناصبتها العداء من أيامها الأول بعد أن أيدتها في بادي الأمر ، وطبقت
عليها صنوفاً من العداوات بالهجوم العسكري مرة وتدعم الحرب في الجنوب ودافور مرة
أخرى ، علاوة على استخدام آلية المنظمات الإقليمية والدولية ومنظمات المجتمع
المدني في انحاء العالم .بالإضافة لدعم المعارضات الداخلية ، والحصار السياسي
والدبلوماسي والإقتصادي وغيرها من الأساليب التي من شأنها أن تقوض النظام.
واخيراً استراتيجية الحرمان النشط.هل من
جديد؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق