مقالات
محكة في
مستقبل النظــام الســياسي في الســودان
د. شمس الهدى إبراهيم
إدريس
(24)
النظام المستقبل للسودان
السودان
بلد متعدد في أعراقه وقبائله وأديانه ولغاته وأحزابه السياسية، وبالتالي ثقافاته،
وتاريخ وتطور نظامه السياسي مبني على تحالفات تلك التعدديات، وكانت السمة المشتركة
في تجاربه البرلمانية وحكوماته العسكرية. كما أن التحالفات هي المحدد الأول في
نجاح واستمرار الحكومات وفشله، بل كانت السبب الأساسي في سقوطها.
كما
أثبتت التجارب الديمقراطية التي مر بها التطور السياسي في السودان أن الاجتماع
السياسي هو أحد مرتكزات أي نظام سياسي، ويعتمد على قوة التنظيمات السياسية في
المجتمع، وتستند تلك القوة وإلى النطاق الذي تشمله نشاطات التنظيمات، والتكييف مع
التحديات التي تبرز ويتوقف التكييف على مرتكزين: مرتكز مدة بقاء التنظيم بمعنى أن
له المقدرة على التكييف (خبرة) إذا كان منظماً، والمرتكز الثاني نشوء التنظيم –
إذا احتفظ التنظيم بمجموعة من القادة لفترة طويلة كان تكييفه مع المستجدات أقل([1]).
أما النظام السياسي الذي يعتمد على شخص
واحد فهو أقل الأنظمة السياسية استقراراً. لأن دخول فئات سياسية جديدة دون أن تكون
متطابقة أو دون الإذعان للإجراءات السياسية المتبعة في الحزب، تصبح التنظيمات
السياسية غير قادرة على مواجهة تأثير القوة الاجتماعية الصاعدة .وفقدان الثقة
المتبادلة والولاء يشير إلى ضآلة حجم التنظيم وتفاعله .
الانقلابات العسكرية تتيح الفرصة
للطبقة المتوسطة لولوج المعترك السياسي، مما ينشيء نخبة سياسية جديدة في فترة ما
بعد الحكم العسكري([2]).
وهذا يتطلب مواعين جديدة ونظرة جديدة
لاستيعاب هؤلاء وإلا كانت العملية السياسية معقدة وتحاول القوى التقليدية إبعاد
الفئات الجديدة عن المسرح السياسي .
يعكس اللجوء إلى القوات المسلحة مدى
تزايد حدة النزاع الاجتماعي بين عدد من الفئات والجماعات، بالإضافة إلى تدني
الفاعلية والشرعية للمؤسسات السياسية الموجودة، وغالباً ما يكون علاقة على نهاية
سلسلة من أعمال العنف والعنف المضاد في المجال السياسي ليكون الوسيلة الممكنة
لإعادة السلطة السياسية.
كما أن غياب التراث الفكري للتعايش
السلمي، بالإضافة للفقر الفكري أدى إلى غياب الديمقراطية لدولة الاستقلال منذ
يومها الأول، وسبب ذلك الولاء الطائفي الحاد للمجتمع السوداني. فكانت النخب
السياسية التي ناضلت وحققت الاستقلال غير مستعدة لتداول السلطة، فاتجهت لسياسة
الانقلابات العسكرية عند الخلاف، ولم تؤرخ لسابقة سياسية لحل الخلاف داخل الأحزاب
الاستقلالية التي نشأت على الزعامة الدينية وليس الكفاءات السياسية.
يمكن طرح رؤية لمستقبل النظام السياسي
في السودان من خلال ثلاثة محاور وفق المطالب الآتية:
المستجدات على الساحة السياسية
يواجه
عالم اليوم بمطالب الداخل وضغوط الخارج في مجال الديمقراطية، حيث تطالب النخب
والجماهير بالمشاركة السياسية معاً بحق المشاركة السياسية، وتأتي تلك المطالب في
ظل شعارات عالمية قوامه الديمقراطية والتعددية واحترام حقوف الانسان. وظهور منظمات
المجتمع المدني كمفردة جديدة في النظام السياسي .
إذن
هنالك ثورة فكرية ترتكز على تعدد الخيارات بين بدائل متعددة ذات خيارات سياسية
مفتوحة، مما يعني أن هنالك مستجدات سياسية واجتماعية وثقافية ووعي سياسي للقواعد
الشعبية لايمكن لأي نظام سياسي أن يتجاوزها. وقد شهد السودان متغيرات متعددة
ومختلفة في مجالات متنوعة، واجتماعياً ضعفت الطائفية الدينية ونما الإحساس القبلي
والإقليمي وأصبح الانتماء الجزئي يفوق الانتماء الكلي، وذلك نتيجة لبسط التعليم في
كثير من قطاعات المجتمع([3]).
وأدى
هذا الوضع إلى تطلع كثير من عناصر الأحزاب للمشاركة في قيادة الحزب وصنع القرار،
الأمر الذي قاد إلى انشقاقات داخل الأحزاب وبروز أجنحة للحزب، كما ظهرت أحزاب
سياسية جديدة ودخلت القبيلة كأحد مكوناتها، فأصبحت بعض الأحزاب رهينة للقبلية، بل
تطور الأمر لحمل السلاح، فطغى نشاط القبلية في الحزب على النشاط السياسي
للحزب.وأمتدت ظاهرة التمرد المسلح، ومرد ذلك أن القبيلة كان دورها تحالفاً بين
القبائل لتكوين مملكة أو انتماء واحد، ولكن أصبح الآن دورالقبيلة سياسياً،
وبالتالي ارتفاع الخصومة السياسية وعدم الاستعداد للتعايش([4]).
من
المستجدات ذات التأثير العالي على الفهم والفكر السياسي، دخول الثقافة السودانية
العصر الرقمي الذي فرض سلوكاً سياسياً جديداً يحتاج إلى أطر تنظيمية وفق معطيات
جديدة مرتكزة على مبادي التعددية الثقافية بديلاً للرؤية الأحادية أو الفكر
الوحيد، مع ضرورة التعرف على أفكار الآخرين ومناقشتها بدلاً من تجاهلها أو منعها
ومصادرتها والعداء مع أصحابها إلى حد الاقتتال الذي سببه غياب ثقافة الحوار.
برز
النشاط الأجنبي كأكبر مستجدات على الساحة السياسية رسمياً وشعبياً، وهونشاط دولي
وإقليمي غير مرفوض التعامل معه من بعض القوى السياسية، بذلك يحتاج الأمر السياسي
إلى تكوين تحالف سياسي راسخ يساعد ترسيخ نظام سياسي وفق دستور يجد كل كيان سياسي
نفسه داخله ولايستثني أحداً ويركز على التعاون السياسي على القضايا العامة،
والانقياد إلى مبدأ منهج التسويات في حل الخلافات الخاصة.
هذه
هي البيئة السياسية الجديدة التي يحتاج إليها السودان لينشأ نظام سياسي مستقر
ومستدام، يتحقق من خلاله تجاوز كل ما من شأنه أن يعوق مسيرته الديمقراطية
والتنظيمية. هذا الأمر يعكس أهمية التنشئة السياسية التي ترتكز على أن يفهم الفرد
أو يحس بما يدور من حوله، حتى يتعامل معها بحكمة ومسئولية ويأحذ حقوقة ولايتغول
على حقوق الآخرين، بالإضافة للتفاعل بإيجابية مع الآخرين والتعايش والتعاون معهم.
رؤية جديدة ذات أبعاد ودلالات
المستجدات التي طرأت على المجتمع
السوداني من عولمة وتمرد مسلح وتدخل أجنبي أثر في المنظومة الاجتماعية والسياسية
والثقافية لمكونات المجتمع، مما ضاعف المتغيرات، وبالتالي على التعددية المركبة في
السودان.
مما صعب من فرص النجاح للنظام السياسي،
ولذلك يحتاج الأمر إلى تحالفات سياسية إيجابية وتقنيات دستورية خاصة. وتعددية
مركبة (اجتماعية، وعرقية، وطائفية، وسياسية، وإقليمية)، يصعب معها تناول القضايا
المختلفة بقاعدة الأكثرية والأقلية، ولكنها تعالج بواسطة المنهج الوفاقي بين
الأطراف المختلفة([5]).
هذا يحتاج لوعي ديمقراطي كاف،
والاهتمام بالقيم التي تحقق التعايش السلمي بين الشركاء في العملية الديمقراطية،
للنهوض بالنظام السياسي كجزء مهم في التعددية بمعناها الحديث، لان المجتمع التعددي
وهو المجتمع الذي تكون الحكومة فيه ليست سوى منظمة واحدة تتفاعل مع منظمات أخرى،
مثل الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية([6]).
إن التعدديات في
السودان تتخللها مفردات ذات أحجام وأوزان سياسية مختلفة، مما يتطلب الأمر بعض
المعالجات الخاصة لكي تستوعبها، حتي لا تكون ذات أثر سلبي حال تجاوزها، وهذا الأمر
يقود إلى أهمية التمثيل النسبي لتلك الأحجام والأوزان، حتى لا تحرم الأقلية من
المشاركة السياسية والمساهمة في حل القضايا التي تعوق تطور النظام السياسي
وفاعليته. وبالتالي يضمن تحالفات سياسية يكون لها المردود الإيجابي في التعددية
الحزبية الفاعلة لتأسيس نظام ديمقراطي رشيد، والديمقراطية المستدامة وتلقائيأ
النظام السياسي المستقر.
هذا الشكل يتطلب استعداد المكونات
السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن تتعايش فيما بينها باتباع سياسة القبول
بالآخر، وأن تتفاهم وتتواثق على حل تقاطعاتها بالطرق السلمية والحوار ونبذ العنف
والعنف المضاد، ويأتي ذلك بقبول الحلول الوسط والتنازل من هنا وهناك حتى يحدث
التوافق السياسي الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى أن تكون التعددية المركبة في
السودان أداة لنظام سياسي مستقر ومستدام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق