الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019


مقالات محكة في
مستقبل النظــام الســياسي في الســودان
د. شمس الهدى إبراهيم إدريس
(14) الاجتماع السياسي السوداني
إن المجتمعات السياسية تشتمل على مجتمعات أخرى صغرى، ومن أنماط مختلفة ولكل مصالحها ومبادئها السياسية.
إن تفسير الديمقراطية في تلك المجتمعات وممارساتها وحدودها وإمكانياتها يرتبط بطبيعة العالم الذي تعيش فيه، أو المحتمل أن تعيش فيه في المستقبل. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إذا وضعت المتاريس والعقبات من قبل بعض القوى الساسية أمام عجلة الحوار، ومنها الاعتراف بالتعددية السياسية([1]).
التعددية كلمة أشمل من الديمقراطية، حيث تعني الديمقراطية (حكم الشعب)، وهي كلمة مكونة من جزئين سلطة وشعب، أي ممارسة الشعب للسلطة. وكلمة شعب تطلق على أي مجموعة تعيش في كيان محدد أن يمكن تسمى شعباً، ويمكن أن تعني مجموعة واحدة ذات عرق واحد، وقدماء اليونانيين يعتبرون أنهم شعب مميز، أي مجموعة بشرية ينبغي لها حكم ذاتها كوحدة ديمقراطية مفردة.
مما يعني أن الديمقراطية يمكن أن تكون محصورة في فئة أو قبيلة، لذا السؤال الذي يفرض نفسه بقوة ،هو ، من الذي يمكن أن يكون أحد أعضاء الشعب أو تلك المجموعة. وهنا يمكن أن نقول إن كلمة (شعب) لا تضم إلا عدداً قليلاً من السكان البالغين، وحدث ذلكً في اليونان حتى في فترة ازدهار الديمقراطية الإثنية. كما أنها مالت قليلاً للتطرف واقتصرت على فئة قليلة.
اتبعت ديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية في بدايات القرن العشرين ذات المنهج، وكان هناك استثناء للنساء والأطفال والسود بل حتى الأمريكيين الأصليين (الهنود الحمر) من المشاركة في العملية الديمقراطية([2]).
باعتبار أن هذه المجموعات غير مؤهلة لممارسة السياسة وبالتالي غير مؤهلة لممارسة السلطة. وهذا يعني أن المواطنين لا يدخلون في مجموعة الشعب التي تمارس السلطة، أي بمعني ممارسة مجموعة دون أخرى، وبذلك أصبحت كلمة ديمقراطية (حكم الشعب) ويكون الشعب فيه شعب انتقائي وليس كل الشعب، مما يقود إلى أن مجموعة من الشعب تحت الوصاية التي تفرضها مجموعة الشعب المؤهلة للحكم. ويصبح جزء مقدر من الشعب في دولة معينة لا يمارس الحكم أو السياسة، وتكون هنا الديمقراطية كلمة غير شاملة.
مما يقود إلى القول إن التعددية هي الأشمل والأوفق للمشاركة السياسية الفاعلة. وكان هذا مفقوداً في ديمقراطيات السودان السابقة التي طابعها عدم الانسجام الذي عاق الاجتماع السياسي وبالتالي الاستقرار السياسي. التعدد سمة من سمات المجتمعات ولاسيما في السودان، وتعني الاستعداد للتعايش مع الآخر والقبول به([3]). فالاختلاف والصراع غالباً ماينتج عن عدم التعامل مع التعددية وعدم التعامل مع واقع التنوع العرقي والقبلي والثقافي واللغوي والديني([4]).
ويعتبر التعدد العرقي واللغوي والديني والثقافي من الظواهر الإنسانية. فالتعددية تعني حرية الرأي والتعبير وقبول الحوار وخلق علاقات جيدة بين الأفكار. أما الشمولية فهي ضد التعددية، والتعددية ضد الانفصالية([5]).
 كما للتعددية أهمية كبيرة في الحياة السياسية المستقرة، ومنبع تلك الأهمية إلى سببين([6]):
الأول ارتباطها بالعملية السياسية والسبب الثاني اللابتكار. وهذان السببان جعلا للتعددية ميزة في أنها لاتعني فقط التنوع وإنما تعني التفاعل الحيوي مع هذا التنوع، لذلك فإن التنوع دونما تفاعل وعلاقات حقيقية لن يثمر إلا تصاعد التوترت في المجتمعات.
ويشير التعريف أيضاً إلى أن (التعددية) لا تتطلب منا نبذ هوياتنا والتزاماتنا وراء ظهورنا، وإنما تعني وضع أخلاقياتنا الأكثر عمقاً على الأصعدة المختلفة حتى الأيديولوجية منها و الدينية ليست في حالة انفصال بل في حالة تفاعل وعلاقات مع بعضنا البعض، كما أن المجتمع المتعدد يقوم على الحوار والأخذ والرد والنقد والنقد الذاتي، والحوار يعني التحدث والاستماع وليس الانفصال والتقوقع أو الانزواء وعدم ترك مساحة للتباحث([7]).
ولدراسة الاجتماع السياسي في السودان لابد من التطرق إلى التركيبة التي يمكن أن يلتقي عندها المجتمع السوداني المتعدد العرقيات واللغات والثقافات والأديان والأفكار السياسية، مستلهمين تجارب الممالك الإسلامية التي نشأت في السودانية قبل الاستعمار أي قبل العام 1821 الذي أنهى حقبة تأريخية هامة اتسمت بالإستقرار السياسي داخل تلك المملكات.
كما أن التعدد داخل المجتمع السوداني هو أشبه بالتعدد داخل مجتمعات أخرى كالهند وسويسرا على سبيل المثال، ولكن لها نظام ديمقراطي متفق علية قاد إلى استقرار سياسي، فيما لم يحقق ذات التعدد استقراراً سياسياً ولا نظاماً ديمقراطياً متفقاً عليه في السودان، مما يتطلب الأمر دراسة وتحليل العوامل التي تقود إلى اجتماع سياسي يحقق نظاماً سياسياً متفقاً عليه، وبالتالي يقود إلى استقرار سياسي، مع والضع في الإعتبار عمق تأثير التغيير التأريخي الذي شهده المدى الزمني منذ سقوط تلك الممالك.
السودان به تعدديات عرقية وقبلية، أفرزت تعدداً لغوياً ولهجات محلية متعددة، فضلاً عن التعدد الديني نيجة الهجرات المسيحية والإسلامية التي كانت السمة الأبرز في الممالك الإسلامية التي نشأت في السودان.وهذا لا يعني أن السودان قد أصبح عربياً من الناحية اللغوية والعرقية أو مسلماً من الناحية الدينية بشكل كامل. فرغم الانتشار الواسع للغة العربية والإسلام في السودان، فإن أعداداً مقدرة لم تعتنق الإسلام. ورغم انتشار اللغة العربية بشكل واضح بالسودان، إلا أن هنالك ما يزيد على المائة لغة ولهجة أخرى تنتشر في كافة أنحاء السودان، حيث يصعب تحديد اللغات على الأساس الجغرافي.
يمكن دراسة دور التعدد في السودان بكل اشكاله بمنهج يقود إلى أن السودان به تعددية مركبة يمكن أن تكون نواة لاجتماع سياسي يقود إلى نظام سياسي مستقر.



([1]) روبرت دال – الديمقراطية ونقادها ترجمة نمير عباس مظفر/دار الفارس للنشر والتوزيع –الأدرن الطبعة العربية الثانية توزيع المربية للدراسات بيروت 2005 ص 15.
([2]) المصدر نفسه ص16.
([3]) مجلة التنوير/مركز التنوير المعرفي العدد التاسع يوليو 2010 ص 9.
([4]) المصدر نفسه ص9.
([5]) شمس الهدى إبراهيم إدريس- الحوار الوطني ومستقبل الدولة السودانية – مطابع السودان للعملة 2015- ص30.
([6]) مشروع التعددية بجامعة هارفادر على موقها الالكتروني.
([7]) المصدر نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق