الاثنين، 28 أكتوبر 2019


مقالات محكمة في
مستقبل النظــام الســياسي في الســودان
د. شمس الهدى إبراهيم إدريس

(5)النظام الديمقراطي السويسري
تعد سويسرا إحدى الدول التي تنعم باستقرار سياسي رغم وجود قوميات لها امتداد في العديد من الدول الأوربية كألمانيا وفرنسا وبريطانيا حيث يمثل نظامها السياسي نظاماً مختلفاً عن الأنظمة في الدول المماثلة لها في الاستقرار السياسي. وتنتهج سويسرا نظام سياسي مجلسي (نظام حكومة الجمعية) منذ فترة طويلة من الزمن. ولها نظام سياسي يختلف وناجح إذا ما قورن بالديمقراطيات في الدول الغربية. وساهم في استقرارها السياسي، حيث نظامها الديمقراطي يرتكز على ثقافة سياسية قوامها إجماع سياسي بتوافق القوى السياسية على عدم وجود أحزاب سياسية خارج أروقة الحكم([1]).
نشأة الدولة السويسرية :-
 تعتبر الدولة السويسرية في الدول المتحدة اتحاداً مركزياً وهي منذ القدم مهد الاتحادية فهي ملتقي الأجناس واللغات. حيث توجد أربع لغات رسمية معترفاً بها في سويسرا وهي الألمانية والفرنسية والإيطالية فضلاً عن الرومانية ([2]).
ونشأت سويسرا على شكل اتحاد كونفدرالي وتضم ثلاث عشرة مقاطعة منذ 1513 جميعها ألمانية بأصلها ولغتها عدا مقاطعة فرنسية واحدة ثم تطور الأمر حتى يومنا هذا. ووصفت سويسرا نظامها بموجب (الميثاق الاتحادي)([3]).
النظام السياسي السويسري
النظام السياسي يقوم على نظام حكومة الجمعية الذي يقضي أن تتركز جميع السلطات بيد هيئة نيابية منتخبة وتشمل :
الجمعية الفدرالية:
(البرلمان الاتحادي ) ولها سلطة عليا في البلاد وتتكون الجمعية الاتحادية من مجلس الشعب (المجلس الوطني ) ويكون على أساس نائب واحد لكل (25) ألف مواطن وأعضاء هذا المجلس يتم انتخابهم من قبل الشعب مباشرةا طبقاً لنظام التمثيل النسبي كل أربع سنوات على أن يكون لكل مقاطعة نائب واحد على الأقل([4]).
كما يوجد مجلس المقاطعات ويتم تشكيله على أساس المساواة في تمثيل المقاطعات، حيث يمثل كل مقاطعة عضوان ([5]).
المجلس الاتحادي:
هو مجلس لممارسة السلطة التنفيذية ويتألف من أعضاء منتخبين من قبل الجمعية الفيدرالية (في اجتماع مشترك لمجلس الشعب ومجلس المقاطعات ومدته أربع سنوات, بحيث لا يكون لمقاطعة أكثر من عضو في المجلس الاتحادي, وتنتخب الجمعية الاتحادية من بين أعضاء المجلس رئيساً للمجلس لمدة عام واحد فقط ومهمته تنفيذ القرارات التي تصدرها الجمعية الاتحادية, ويقوم بوظيفة رئيس الدولة الاتحادية، بمعني أن الرئيس يعين من قبل البرلمان وهذا يعني أن سياسات الدولة يصدرها البرلمان وما على الرئيس إلا التنفيذ لأن الاستراتيجية موضوعة وثابتة يحميها الدستور وليس هناك انفراد لرئيس الدولة بالسلطة يفعل بها كما يشاء([6]).
كما أنه لا يجوز الجمع بين عضوية المجلس الاتحادي والجمعية الفدرالية. يشترك المواطنون وقياداتهم في رؤية المصلحة العامة وبدرجة عالية من المشاركة الشعبية في الشئون العامة حيث تقوم المقاطعات بكل ما هو شأن داخلي في المقاطعة المعينة إلى أدني وحدة إدارية ولجان شعبية وغيرها.
في النظام السويسري البرلمان هو الذي يختار أعضاء الحكومة ورئيس الدولة وهم خاضعون له ولا يمكن تجاوزه. اعتمدت سويسرا على الديمقراطية المباشرة أسلوباً في الحياة السياسية ونظاماً لممارسة السلطة من قبل الشعب وذلك عن طريق الاستفتاءات.
مميزات النظام:
 أولاً: دولة سويسرا قائمة على أساس (الكونفدرالية التي تجاوز في لامركزيتها (نظام الفدرالية) من حيث تتمتع المقاطعات باستقلالية إدارية واسعة وفي بناء الدولة السويسرية ملاحظات على النظام السياسي فيها: أنه قائم على العرق والطوائف والمذاهب.
ثانياً:   رغم التنوع ورغم النظام اللامركزي ورغم إحاطة سويسرا بشعوب متشابهة مع أقوامها لغوياً ومذهبياً إلا أنه لم يحدث أن طالب تيار بالانفصال.
ثالثاً:   ليس هناك حزب سياسي أو أي تيار خاص بمقاطعة أو مجموعة لغوية أو عرقية بل أحزاب لا قومية والفارق بين الأحزاب السياسية هو البرنامج. وهذا الوضع يرتكز على أساس الاستقرار السياسي الذي يقوم على أحزاب سياسية حسنة التنظيم العقد الاجتماعي في سويسرا يعترف بالتعدد والاعتراف بالآخر رغم تعدد الثقافات والإثنيات بالإضافة لوجود تسامح بين تلك الثقافات دون فرض ثقافة على الأخريات والتسامح بين مكونات المجتمع.
-           نظام سياسي يحترم الأقليات ويحاول إشراكهم في السلطة ومثال لذلك سكان سويسرا الروماندية (المتحدثة الفرنسية ) الذين يمثلون (18%) من مكونات الدولة السويسرية يتشاركون في كافة مؤسسات الدولة [7] .
-  إتاحة مساحة للثقافات بحيث تحكم نفسها على مستوي المقاطعات وفي ذات الوقت تتيح الحكومة الفدرالية مشاركة الثقافات المختلفة لإدارة الدولة بصيغة مقبولة للأطراف(1).
-     البعد الثالث هو المشاركة في الثروة ,حيث وضعت الدولة من السياسات ما يقلل من التباين الاقتصادي واختلاف الخدمات بين المناطق
-  البعد الرابع تميز الدستور الفيدرالي بخصائص تبعد أي بذرة صراع ويشتمل على ميزات منها أنه لا يمكن تعديل الدستور إلا بمشاركة كافة مكونات المجتمع.
عموماً: ينبع من استقرار الحكم الاستقرار السياسي في سويسرا نتيجة للتعايش الاجتماعي بالتوافق السياسي بين مكونات المجتمع السويسري واتباعه ديمقراطية تشاركية ويعتمد على الشرعية الانتخابية (معترف بها من جميع أطياف النظام السياسي) بالإضافة للنظام المدني الفعال , وهي مكونات تعتمد على بعضها البعض, وتتمتع سويسرا بتعايش اجتماعي ساعد على تجانس النظام الأساسي فيها.
أهم مركبات الهوية السويسرية. – هو عدم وجود لغة قومية واحدة أو ارث ثقافي واحد أو عرقية , فان السويسريين يشتركون في ارتباطهم بالقيم الاتحادية المباشرة.
يتميز النموذج السياسي السويسري بمؤسسات تقاسم السلطة
·         دولة متعدّدة الثقافات تعترف بجميع مواطنيها وتخدمهم.
·         النظام الاتحادي الذي يسمح للمقاطعات السويسرية بالتمتّع بالحكم الذاتي.
·         البرلمان المؤلّف من مجلسين.
·         التمثيل النسبي الذي يمنع الأغلبية من تجاوز الأقلية.
·         الديمقراطية المباشرة التي تضمن إشراك المواطنين السويسريين في الحكم
·         عدم تسييس القضايا بقدر الإمكان ويقوم الخبراء(تكنقراط) بدورهم بالتخطيط ووضع البدائل.
هو نظام ديمقراطي من غير معارضة رسمية، وإنما يقوم على توافق القوى السياسية ومشاركة الجميع في الحكم.
إن أساس نجاح الدولة السويسرية في اختيار النظام السياسي المجلسي نظاماً للحكم، حيث تمكنت من خلاله في حفظ استقرارها واستمراريتها لفترة طويلة من الزمن، وذلك رغم وجود قوميات في سويسرا لها امتداد في بعض الدول الأوربية كألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
كما يتميز النظام السياسي السويسري وإن كان قائماً في الأصل على مبادىء النظام المجلسي بطابع خاص يختلف عن بقية أنظمة الحكم، مما جعله نظاماً ديمقراطياً يختلف عن كل الديمقراطيات في العالم، وسويسرا هي الدولة الأولى في تطبيق النظام المجلسي بنجاح تام ساعد على استقرار نظامها السياسي.
غياب التجانس يعنى أن الدولة غير قومية التكوين، ونظامها نظام ديمقراطي كونفيدرالي قائم على الاستفتاء والاغلبية البرلمانية هي ليست الآلية لحسم الصراعات. والدستور يجبر المجتمع على التوافق.
التمثيل النسبي يفتح باب المشاركة لأصغر حزب مما أدى لعدم وجود معارضة.
الوزارات بها مجالس مهنية (خبراء هم المخططون) وما على الوزير إلا التنفيذ مما قاد إلى عدم الاختلاف السياسي.


([1]) أ. د حسن على الساعوري-كيف يحكم السودان مطابع السودان للعملة 2014 ص224

([2]) محمد كاظم الشهداني / النظم السياسية – دار الحكمة للطباعة والنشر – العراق 1991م  ص  184

([3]) م زياد زكي الدباغ – دراسة في النظام السياسي السويسري مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية المجلد (1) العدد (1)  ص (569).

(([4] السيد خليل هيكل  : الأنظمة السياسية المقارنة والنظام الإسلامي القاهرة ص 300 
(2) .سعد عصفور :  المبادئ الأساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية منشاة المعارف بالإسكندرية  ص  251



([6]) صمويل هنتشون مصدر سبق ذكره ص  7.                       


([7]) رسالة دكتوراه للدكتور عمر عوض الله من المعهد الفيدرالي فريبورغ بسويسرا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق