مقالات
محكمة في
مستقبل النظــام الســياسي في الســودان
د. شمس الهدى إبراهيم
إدريس
(6)الديمقراطية
في الهند
بدأت
التجربة الديمقراطية في الهند في المرحلة التي سبقت الاستقلال، حيث كانت المجالس
المحلية التي تنتخب من قبل الشعب قد أقرت دستور الهند. وبدأت مرحلة جديدة ظهر فيها
حزب المؤتمر الوطني الهندي ووضع الأسس الثابتة للتحول الديمقراطي.
ولدراسة
نجاح التجربة الديمقراطية في الهند واستمراريتها حتى أصبحت الهند من أكبر الدول
الديمقراطية فيما يعرف بالعالم الثالث رغم تعدد ثقافاتها ولغاتها ولهجاتها
ودياناتها.
تعتبر الهند بلد التعددية العرقية
والدينية واللغوية، حيث حافظت على هذا الطابع المتميز دون أن تمس نسيجها المتنوع
ومجتمعها المتعدد فسكانها يتوزعون بين الآريين واليونانيين والمغول والشعوب
المنحدرة من شرق آسيا وأصول عربية وتركية وأفغانية، كما أن المشهد الديني حافل
بالتعدد اللغوي (400) لغة منطوقة. وتضم الهند جميع الديانات في العالم مثل الإسلام
والمسيحية والهندوسية والبوذية وتتبع الهند الحرية الدينية لجميع شرائح المجتمع على
أن الهند ملتزمة بالتعايش الديني وتكريس ذلك في الدستور , والعلمانية المتبعة في
الهند ترتكز على التعددية الدينية وعدم تهميشها دون تفضيل معتقد على آخر وتعتمد
الهند وتصب همها في التنمية السياسية والاجتماعية لذلك نجد الجاهل والمثقف
والمتعلم والغني والفقير يتصرفون بإدراك ووعي فيه متحد اجتماعي، مما يؤكد أن هناك
وجود عقل جمعي للمجتمع الهندي ويظهر ذلك في الأزمات .
اذاً
يرتكز نموذج التجربة الهندية في معالجة قضايا التعدد والتنوع الثقافي والديني على
الاعتراف بتلك المكونان، كما تتبع منهج التسويات في خلافاتها وتقاطعاتها وفق
الدستور، وأعتبرت الهند النظام الديمقراطي هو النظام الملائم للحفاظ على كيان
الدولة الهندية، ولقد احترمت القوى السياسية في الهند هذا النظام والتزمت بقواعده
التي تتيح تداولاً سلمياً للسلطة وتعلي من قيم المواطنة والمشاركة السياسية بغض
النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس،كما أن الثقافة السياسية الديمقراطية
تساعد على تحقيق التكامل القوي الذي يكتسب أهمية نسبية مرتفعة في الدول ذات
المجتمعات التعددية كالمجتمع الهندي.
كل ما تقدم هو مؤشرات تستدعي قراءة
متأنية للتجربة الديمقراطية في الهند عبر المطالب الآتية :
تأسس أول برلمان في الهند والذي أجرى
الانتخابات بعد الاستقلال من بريطانيا في 1947م (برلمان مؤقت)، وأقر الدستور
الهندي وكان غياب المعارضة القوية المنظمة في البرلمان، وذلك نتيجة لتمثيل الفئات
المختلفة فيه من دون اعتبارات حزبية (تكنقراط).
تعد الهند بلداً ديمقراطياً يتمتع بحكومة
برلمانية وفيدرالية ووضعت بعد استقلالها دستوراً تفصيلياً يشمل
جميع الأمور المتعلقة بالحكومة ويضمن لمواطنيها الحرية. وتحقيقاً لهذا الهدف
هناك نظام يخص عقد الانتخابات بعد كل خمس سنوات وتوجد في الهند الأحزاب السياسية المتعددة
الوطنية منها المحلية التي تشارك في الانتخابات. وتؤدي هذه الانتخابات بدورها إلى
تشكيل الحكومة.
تعتمد الهند في نظامها السياسي على
النظام البرلماني الفيدرالي, حيث يتمتع البرلمان بالسلطة العليا ويمثل الشعب,
وأعمال الحكومة تتم باسم رئيس الجمهورية في المركز وحاكم الولاية, ومجلس الوزراء
يكون مسئولاً عن المجالس التشريعية في المركز والولايا ت كما انه أقرب للنظام
البريطاني .
تقوم السلطة في الهند على ثلاث هيئات
تنفيذية وتشريعية وقضائية.
أولاً: السلطة
التشريعية (البرلمان):
بالهند واحد وعشرون ولاية وتسعة أقاليم
تديرها الحكومة المركزية وحكومات الولايات([1]).
يتكون البرلمان من مجلسين تشريعيين
(مجلس النواب ومجلس الشيوخ )
مجلس النواب. ينتخب من الشعب مباشرة
حيث ينتخب عدد من أعضاء المجلس من الولايات المكونة لدولة الهند بالإضافة لعدد من
الأعضاء من المناطق التابعة للمركز. كما يمكن أن يعين رئيس الجمهورية أعضاء في
مجلس النواب عندما يشعر أن بعض المناطق تمثيلها غير كاف , ومدة مجلس النواب خمسة
سنوات.
تتبع الهند في رئاسة الجمهورية من
الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان (الحزب الغالب) وتطبق الهند فدرالية الحكم من
خلال مشاركة الولايات في العملية التشريعية على مستوى المركز ويتم ذلك عن طريق
مجلس الشيوخ .
مجلس الشيوخ. يتم
اختياره من قبل المجالس التشريعية للولايات , كما يعين رئيس الجمهورية أعضاء
للمجلس على أساس انجازاتهم ومكانتهم المرموقة من مختلف الولايات كالآداب والفنون
والخدمات الاجتماعية ومدة مجلس الشيوخ ست أعوام .ورئيسة هو نائب رئيس الجمهورية، ونائبه
يختار من اعضاء المجلس، ومدته ست سنوات ويستبدل ثلث اعضاءه كل عامين.
ثانياً: السلطة التنفيذية:
تتكون الهيئة
التنفيذية من رئيس الوزراء وهو رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء في الحكومة
المركزية.
يتم انتخاب رئيس
الجمهورية عن طريق غير مباشر من قبل هيئة انتخابية تتألف من الأعضاء المنتخبين في
البرلمان والمجالس التشريعية في جميع الولايات ولمدة خمس سنوات، ولا يمكن لأحد أن
يكون رئيساً للجمهورية ما لم يحصل على أكثر من نصف عدد مجموع الأصوات، ويتم
انتخابه لمدة خمس سنوات ويمكن أن ينافس في الانتخابات لمرة ثانية ولفترة أخرى،
ويمكن أن تقيله الهيئة التشريعية.
يقوم رئيس الجمهورية
بتعيين رئيس الوزراء من حزبه أو تحالف الاحزاب التي تتمتع بالأغلبية في
البرلمان.بالإضافة إلى تعيين حكام الولايات والسفراء، وهو القائد الأعلى لقوات
الدفاع الهندية.
يختلف انتخاب نائب
الرئيس عن انتخاب رئيس الجمهورية، حيث ينتخب من قبل الهيئة الانتخابية التي تتكون
من أعضاء المجلسين للبرلمان، ونائب الرئيس هو رئيس مجلس الشيوخ.
النظام السياسي
والانتخابي:
يقوم النظام السياسي
في الهند على التعدد الحزبي، مع إعطاء قدر يستوعب جماعات المصالح ومنظمات المجتمع
المدني في الحياة السياسية.
يأتي النظام السياسي
في الهند وفق المجتمع الهندي الذي يتكون من أعراق وطوائف وأديان متعددة وتسوده
لغات ولهجات متعددة , لذلك تعتمد مؤسسة الدولة النظام العلماني الديمقراطي
باعتباره النظام الملائم للحفاظ على كيان الدولة. ولقد احترمت الدولة والقوى
السياسية الهندية هذا النظام والتزمت بقواعده بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو
العرق أو الجنس ولقد ساعدت الثقافة السياسية الديمقراطية على تحقيق التكامل الذي
يكتسب أهمية في الدول ذات المجتمعات التعددية بالمجتمع الهندي .
فنظام الدولة نظام جمهوري برلماني توزع فيه
السلطات بين المؤسسات المركزية الولائية.
يتم الانتخاب في
اتحاد الولايات، حيث توجد جمعية تشريعية لكل ولاية ينتخب أعضاؤها من قبل الشعب
مباشرة ومدته خمس سنوات، كما يوجد مجلس تشريعي تابع للجمعية التشريعية، يتم انتخاب
ثلث أعضائه عن طريق الهيئة الانتخابية المكونة من هيئات الحكم الذاتي المحلي،وثلث
ينتخب من قبل الحمعية التشريعية، والثلث الآخرمقسم كالآتي: 1/6 من الأشخاص ذوي
الخبرة في المجالات المختلفة(تكنوقراط)، و1/12 من خريجي الجامعات و1/12 من أساتذة
المدارس الثانوية والكليات الجامعية.
مدة
المجلس ست سنوات ويتقاعد ثلث اعضائه كل سنتين.
المتحد السياسي في
الهند:
من أسباب الاستقرار
السياسي في الهند أن الحزب الغالب ظل لفترة تصل إلى خمسين سنة، بالإضافة إلى
التعايش الاجتماعي في الهند تحت مظلة أحزاب سياسية حسنة التنظيم وأنظمة سيادية
مشاركة بفعالية من أجل تنظيم انتقال السلطة, بالإضافة إلى حكومة ترعى ولاء
مواطنيها عبر حكومات مركزية وحكومات فدرالية تحقق مشاركة فاعلة وعالية للشعب في
الشئون العامة للدولة , وذلك من خلال مجتمع وأحزاب ذات متحد سياسي قاد إلى مؤسسات
قوية ومتكيفة مع تعدد لغوي وديني واجتماعي وثقافي ومتماسكة وفق سلوك اجتماعي متقدم
يرى في التنوع والتعدد قوة للهوية السياسية .
اعتمدت الهند
المعتقدات والنظم السياسية السابقة وطورتها باعتبارها أداة لممارسة الشعب عملاً
مشتركاً لحل النزاعات كما هو الحال (النظام الأهلي في السودان) أو ما تعارف عليه
(بالإدارة الأهلية)، حيث كانت مجالس القرى أو ما عرف في الهند (بالبانشيتات) في
القرى البعيدة عن مركزالسلطة، وكانت هي الرابط بين برنامج الحكومة والشعب، كما
ساعد قطاع مجالس القرى في ربط أعضاء الجمعيات التشريعية في الولايات والريف، مما
جعل من جمعية الولاية النقطة المركزية في الممارسة الديمقراطية.
إذاً الديمقراطية في
الهند هي ديمقراطية قادرة على إعادة إنتاج نفسها وتروج ثوابتها التنموية والتحديث
, وعززت الهند ديمقراطيتها، ورغم كبر عدد السكان والأداء الاقتصادي المتواضع وتنوع
مجتمعها ولكنهما لم يعرقلا التطور الديمقراطي فيها.
هناك ثلاثة أشكال من
التعددية والديمقراطية وهي التعددية الحزبية والتعددية اللغوية والدينية والتعددية
العرقية تتضافر فيما بينها جعلت النظام السياسي في الهند متماسكاً, ولها مؤسسات
سياسية تستوعب الآراء والصراعات المتوقعة في أي نظام.
مقومات نجاح التجربة
الهندية واستمراريتها:
·
إن الدستور
الهندي هو الوثيقة الأطول من نوعها في العالم.
·
الهند جمهورية
اتحادية (فدرالية)، تعمل في شكل فدرالي في الحالات العادية، ويمكن أن تعمل في شكل
اتحادي في حالات الطواري بما يجعله شبه فدرالي([2]).
·
أعلنت الهند
أرضاً للأديان المتعددة ولم يكن للدولة دين محدد.
·
نجاح الهند في
بناء أكبر ديمقراطية خارج العالم الغربي وقدمت نموذجاً للديمقراطية في بلد متأخر
ومعقد وواسع.
·
الديمقراطية
:هيمنة حزب واحد وكان حزب أغلبية، مما ساهم في الاستقرار السياسي واستقرارالحكومة
وتقوية القيادة ونجح في تطور العلاقة بين القمة والقاعدة.
·
أبدت الأحزاب
الهندية سياسات وبرامج حزب المؤتمر الذي حشد الجماهير إليه عبر حدود الطائفة
والدين والمعتقدات. كما يعتبر حزب المؤتمر مهندس الأمة وباني الدولة وأحد
المساهمين الأبرز في عملية التدريب والدمقرطة، بالإضافة لمواكبة التطورات ما بعد
حقبة الاستعمار، كما أن حزب المؤتمر وفق وجهات النظر المختلفة في الهند، وعمل
كأداة توفيق في ديمقراطية وأذاب الفرق بين الدينية للمجتمع الهندي في بوتقة
المواطنة السياسية، بالإضافة إلى مقدرة الحزب على الجمع بين القوى التي تقف على
طرفي نقيض([3]).
·
إجراء
العمليات الانتخابية بانتظام كما حددها الدستوراستناداً إلى التداول السلمي للسلطة
بين المعارضة والحكومة على مستوى المركز والولايات([4]).
عموما: اختلفت الديمقراطيات في الدول
المستقرة من دولة إلى أخري، مما يقود إلى أن هناك محددات للديمقراطيات حتى تحقق
الاستقرار السياسي في أي دولة من الدول فنجد أن في الولايات المتحدة الأمريكية
ديمقراطية مستقرة ولكنها تختلف عن الديمقراطيات في بلدان مستقرة أخرى كما هو الحال
في بريطانيا وفرنسا وسويسرا والهند وهي الأخرى تختلف ديمقراطياتها عن بعضها البعض
وفي ذات الوقت تتمتع باستقرار سياسي, كما اتبعت تلك الدول نظاماً ديمقراطياً يختلف
عن الأخرى وكل حسب تكوينه المجتمعي بثقافاته ولغاته وأسلوبه في الحياة الساسية،
ويرجع ذلك من خلال البحث والتحليل إلى نتائج يمكن أن يتحدد من خلالها عوامل وملامح
للاستقرار السياسي .
إن هناك تمايزاً سياسياً جسر الهوة بين
المكونات الاجتماعية لكل دولة كالآتي:
اجتماع سياسي فيه إجماع عال على شرعية
النظام السياسي وتنبع شرعية النظام السياسي من أن كل ما تدار به شئون الدولة من
حاكم وانتخاب وتشريع نابع من دستور البلاد المتفق عليه أصلاً , ويشترك المواطن
وقياداتهم في رؤية المصلحة العامة للمجتمع , وهذا بدوره يقود إلى قناعة شعبية.
توجد بتلك الدول مؤسسات سياسية قوية
ومتماسكة وتستمد قوتها من دستورها وعدم انحرافها وتغولها على ما لا يعنيها ملتزمة
بوصفها الوظيفي وجعلها متماسكة فيما بينها وفي ذاتها مما جعلها متكيفة مع ظروفها
الداخلية والمحيطة بها، مما أبعد عنها الصراعات والتنازعات.
ومن الصفات المشتركة للنظم السياسية
المستقرة وإن اختلفت الديمقراطيات فيها نلاحظ أن بها أحزاباً منظمة تنظيماً دقيقاً
و بها درجة عالية من المشاركة السياسية الفاعلة ويحكمها دستور هيكلي ووظيفي من
القاعدة إلى القمة الاتحادية للحزب وهذا يمكنها من قيادة اتجاهات الرأي العام من
ضبط وتنظيم تطلعات المواطنين والمساهمة في حل مشكلاتها مما يؤدي إلى الاستقرار
السياسي.
بتلك الدول إجراءات محددة من أجل
انتقال السلطة والممارسة السياسية الأمر الذي ضبط الصراع السياسي بها كما أن
التغيير الاجتماعي السريع والتحريك السريع لفئات جديدة مواكبة تطوراً سريعاً
للمؤسسات السياسية , ضيق دائرة الهوة السياسية بين مكونات المجتمع .
هذه المتلازمات السياسية التي أدت إلى الاستقرار
السياسي في بعض الدول رغم اختلاف النظام السياسي فيها , يمكن أن تخرج لنظرية استقرار
سياسي بغض النظر عن نوع الديمقراطية التي تنتهجها .
أن الديمقراطية المستقرة تتوقف على الاجتماع
السياسي وعلي دستورية النظام السياسي والمتحد السياسي بمؤسسات متماسكة وقوية
وأحزاب منظمة تنظيماً رفيعاً ومواكبة للتطور الاجتماعي ومشاركة فاعلة للمواطنين
وإجراءات محكمة لضبط الصراع السياسي .
لقد قيد النظام السياسي المتطور في
الهند مؤسسات قوية ومتميزة فعلاً لتنفيذ مهام (الداخل والخارج) في السياسة، ولم
تصل الهند إلى مرحلة الاستقلال عبر مؤسسات وحزب سياسي (حزب الكونغرس) وأحرزت درجة
عالية من التطور والتكييف والتعقيد والاستقلالية والتماسك. كانت تلك المؤسسات
جاهزة لتولي المسئوليات والمهام بعد الاستقلال، وقد استند الحكم المستقر والفاعل
والديمقراطي إلى جاذبية هذه المؤسسات([5]).
وهذا عكس ماحدث في السودان، حيث لم تكن
المؤسسات الحزبية وغيرها مهيئة لتولي المسئوليات، وكان التطور غير متوازن، حيث
أحرزت البروقراطية المدنية والعسكرية مستويات أعلى من تطور الأحزاب السياسية،
وكانت لدى العسكريين حوافز لملء الفراغ المؤسساتي في جانب (الداخل) من النظام
السياسي، ويحاولون القيام بمهام إجمالية الفائدة([6]).
ورغم تشابه السودان والهند في التعدد اللغوي
والإثني والثقافي وغيره من أوجه الشبه مثل تدني مستوى الدخل و(70%) من شعبيهما
يعملان بالزراعة، لكن نجحت الهند في عمل ديمقراطية راسخة ونظام سياسي قوي ارتضاه
الجميع، مما قاد إلى استقرار سياسي. ويرجع ذلك إلى الفرق في التوازن بين المؤسسات
البروقراطية المدنية والعسكرية والأحزاب. والاشارة إلى جعل هذه الظروف المحدد لنوع
الديمقراطية في أي بلد آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق