مقالات
محكة في
مستقبل النظــام الســياسي في الســودان
د. شمس الهدى إبراهيم
إدريس
(9)مملكة الفونج(السلطنة الزرقاء)
نشأت مملكة الفونج على حدود
مملكتي المقرة وعلوة في الفترة (1504 -1821)، واستطاعت أن تضم إليها أراضي كل
الممالك السابقة المقرة وعلوة وتقلي[1]،وامتدت مملكة
الفونج من الشلال الثالث إلى أقصى جبال فازوغلي شمالاً وجنوباً من سواكن على البحر
الأحمر إلى النيل الأبيض وكان الحد بين سنار ومشيخة قري (الحلفايا) مدينة أربحي
.وكان التنظيم الإداري من أربجي إلى الجنوب تابعاً لملوك الفونج مباشرة لأرض مشيخة
قري ومنها شمالاً إلى الشلال الثالث كان تابعاً لإدارة مشيخة قري (العبدلاب) تحت
سيادة ملوك الفونج. وكانت المملكة مقسمة إلى عدد من الممالك والمشيخات من سود
ونوبة وحضر وبادية.
تأسست مملكة سنار (السلطنة الزرقاء) نتيجة تحالف
بين قبائل الفونج بزعامة عمارة دنقس وقبائل العبدلاب بزعامة عبد الله جماع وتعارف
عليها بالسلطنة الزرقاء ومملكة الفونج، كما أطلق عليها الدولة السنارية , وكانت
سلطنة الفونج سلطنة إسلامية، وشكلت أول تجربة رائدة في خلق دولة موحدة في بلاد
السودان، حيث انصهر وتجانس شعبها بكل لغاته وثقافته وإثنياته ودياناته، وامتدت من
شمال المستنقعات الإستوائية حتى الحدود المصرية.
مما يعتبر منعطفاً مهماً في حياة السودان السياسية
والاجتماعية، وتحولاً تأريخياً له آثار على مكونات المجتمع السوداني([2]).
كان مؤسسها السلطان عمارة دنقس يدين بالإسلام في
وقت كان غالبية رعاياه وثنيين، وكان شعب المملكة يتحدث لغات ولهجات مختلفة ,ولكنها
لم تؤثر في الانسجام الاجتماعي والسياسي فيها، وكان سكان المملكة خليطاً من الفونج
بجوار العرب والقبائل الزنجية ومهاجري غرب أفريقيا مثل قبائل الفولاني وقبائل من
الحبشة، وكانت لكل فئة من تلك المكونات الاجتماعية مميزاتها الخاصة بها([3]).
مملكة الفونج هي أول مملكة إسلامية ظهرت في
السودان وقد دانت لها أكثر القبائل العربية المنتشرة بين سنار إلى منطقة دنقلا ، كما
دانت لها قبائل البجة بشرق السودان من مملكة بني عامر حتى مصوع جنوباً إلى البشاريين
شمالاً حتى الحدود الشمالية مع مصر. وكونت هذه المملكة اتحاداً لممالك القبائل
المختلفة الذين كانوا يدينون بالطاعة لسلطان الفونج .
كانت المكونات الاجتماعية لمملكة سنار
لغات مختلفة حيث كانت اللغة العربية والبرتا وهما أكثر اللغات شيوعاً في المنطقة
ولهجة الجبلاوية ولغة الهمج بالإضافة إلى لهجات الانقسنا ولغة القمر ولهجتها ولغة
البرون ولغة الكداك ولهجات التركم والجمجم , كما نجد لغة الادوك والكومسا([4]).
رغم أن دولة سنار دولة إسلامية لكنها
مزجت بين الأيديولوجية الإسلامية والأيديولوجيات الأخرى، حيث سعت إلى عدم ممارسة
السلطة وتكرار الفكرعلى نحو ثابت ولكنها تفاعلت مع الجماعات الأخرى المكونة
للمجتمع السناري، وأحدثت اختراقاً بشرياً، واستقت حقائقها من تجربتها التأريخية
الذاتية وتجارب الآخرين المحيطين بها، واستمدت الدولة السنارية (السلطنة الزرقاء)
أيديولوجياتها من منبعين هما تأريخها الخاص والبناء العقائدي لشعوب الأراضي
المجاورة ([5]).
هذا يعني أن أيديولجية سنار اسلامية
وبعضها الآخر وافد من مصادر أخرى، وقد أبقى عليها الفونج بشقيها الإسلامي وغير
الإسلامي، لأنها أسهمت في المحافظة على الدولة، فأعطاها هذا الهدف العام التماسك
اللازم، بذلك وفر الإسلام المفاهيم الأيديولوجية التي صنعت من خلالها الشخصية
الاعتبارية لسنار في محيط من الأمم الآخرى.
عموماً: عدد قبائل مملكة سنار يفوق ثماني عشرة قبيلة تتكلم تسع لغات وعدداً
مضاعفاً من اللهجات .
نظام الحكم الهيكل والنظام الإداري:
رغم
تعدد اللغات و اللهجات لم يتأثر الانسجام الاجتماعي لأن النظام السياسي في المملكة
لم يفرض لغة واحدة للتعامل والتخاطب بين أفراد الشعب وكان السلطان يعترف بكل
اللهجات واللغات وأصبح يميز لكل قبيلة بكلماتها الاستفتاحية التي تميزها وهي كلمات
تدخل على الثقافة اللغوية لكل مجموعة. وكان أمر تعدد اللغات في دولة سنار أمراً
غير مزعج ولم يكن عائقاً فكان العربي مخاطبته للملك يبدأ حديثه بكلمة (طال عمرك)
يقابلها من مخاطبه الهمجي (جاد سيدي) وكان الفونجاوي في سلامه على الملك (قيار
مور) أو (قاره موره) (وقار مورق) و(قار مل) ([6]).
ويعني هذا تجانس اللغات في مملكة سنار
والتعايش الغوي دون أن تحدث أو تكون عائقاً للاجتماع السياسي في المملكة السنارية.
كانت دولة الفونج ذات طابع فكري محدد نحو الإسلام، ووطد الفونج أركان الاستقرار
السياسي، وشجع ملوكها العلماء ووفرت لهم سبل كسب العيش الكريم، وفي ذات الوقت لم
تعمل دولة الفونج على توجيه الحركة الفكرية لمصلحة مذهب معين، وإنما تركت الباب
مفتوحاً لجميع العلماء والفقهاء([7]).
وضعت الأسس الأولى للنظام السياسي
والإداري التي سارت عليه مملكة الفونج في الاتفاق الذي تم بين عمارة دنقس وعبدالله
جماع وبهذا الاتفاق تم ترتيب نظام الحكم والإدارة، حيث اختار مؤسسا المملكة النظام
الملكي الوراثي أسلوباً لممارسة الحكم، وبموجب هذا النظام أصبح عمارة دنقس زعيم
الفونج ملكاً على الدولة ويمارس سلطاته من العاصمة سنار، بينما أصبح عبد الله جماع
مسئولاً عن الأقاليم بالقسم الشمالي من المملكة وعاصمتهم قري.
اتبعت مملكة الفونج الشورى في اختيار
الملك رغم أن نظام الحكم نظام وراثي، كما أن نظام الشورى متبع في اختيار حكام
الأقاليم. والسلطان هو الذي يمثل رئاسة الدولة وهو المسئول عن الحكومة المركزية في
العاصمة ويشرف على موارد الدولة وأمنها الخارجي والداخلي.وكان ملوك الفونج يعملون
على حماية التجارة وطرقها وفرض الضرائب المختلفة بالإضافة للإشراف على الجيش
والقضاء وعليه تطبيق العدالة.
أما النظام السياسي لمملكة الفونج
فيرتكز على التحالف بين مجموعة العبدلاب والفونج، أي كانت تحكم المملكة سلطة
ثنائية تعطي الفونج الكلمة الأولى في إدارة البلاد، كما يمثل تحالفاً بين زعامات
أو مشيخات قبلية متعددة بينها وبين العبدلاب وكانت المملكة أبعد ما تكون عن
الحكومة المركزية وليست هناك مؤسسات إدارية متماثلة تنشر في سائر أنحاء المملكة
عدا التنظيم القبلي وكان تدخل السلاطين في الشئون الداخلية للتنظيمات الإدارية
والإقليمية أو المشيخات لا يتعدى جباية الضرائب أوتعيين الشيخ([8]).
وكان حسب التقسيم، حكماً مباشراً
للعبدلاب في شمال السلطنة الزرقاء وآخر مماثلاً للفونج في جنوب السلطنة وكلتا
السلطتين يتبع السلطنة في سنار([9]).
أي باللغة الحالية نظام فيدرالي داخل
مناطق الفونج وفدرالي داخل مناطق العبدلاب ويجمعهم نظام حكم كونفدرالي بين
العبدلاب والفونج داخل السلطنة, وكان تعيين الملوك للممالك التابعة للسلطنة
الزرقاء يتم بواسطة السلطان مباشرة. والسلطان يؤيد أويعين مشايخ المملكات التي
تخضع لهم بما فيهم العبدلاب. وهناك ثلاثة أسباب قادت إلى اختيار النظام اللامركزي
في دولة الفونج([10]).
طبيعة التحالف بين الفونج والعبدلاب، حيث
أعطى هذا التحالف نظاماً لا مركزياً للحكم، وأعطى الفونج المناطق التي تقع من
أربجي وجنوباً وشرقاً إلى منطقة البجة، والعبدلاب من اربجى وشمالاً إلى الحدود
المصرية.
النظام العسكري في السلطنة فيه شيء من
التوافق والتجانس بين مكونات السلطنة في تنفيذ سياساتها العسكرية في تجميع الجيوش
في شكل خيالة وابالة ومشاه من كل القبائل , وهناك جيش آخر غير تقليدي للتدخل
السريع، وهو جيش ذو قدرة قتالية عالية ومدرب للمهام الكبيرة والسريعة([11]).
اختلف مجتمع دولة الفونج عن مجتمع
الممالك المسيحية السابقة في المنطقة والذي اعتمد على أن الأرض وماعليها ملك
الملك، ولكن دولة الفونج لم تقص الديانات والمعتقدات التي كانت سائدة في
المجتمع،كما أزالت الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع وبين الراعي والرعية، كما
أزالت العبودية المطلقة للملك، وطبقت المساواة الاجتماعية([12]).
إن الاتحاد الفونجي العبدلابي قسم
الأراضي في شكل مشيخات ومكوكيات وإن الاتحاد كان محاولة لاستعادة واستمرارية الوضع
السياسي, حيث كانت الحروب تسود بين القبائل ولا تخف حدتها إلا بتأثير المصالح
المادية عندما تكون هناك معاهدة أو اتفاق معقود حسب الأصول , كما أنه اتحاد اجتماعي
قبلي مرتكز على صلات القربي في قمته أي كان تكويناً قومياً ترتب بنية قائمة على أسس
إقتصادية واجتماعية تمثلت في احتكار أو حل الحلف الفونجي العبدلابي.
مملكة الفونج كانت أكثر الممالك
السودانية تطوراً وحاولت إن تتجاوز كل أشكال عدم الاستقرار السياسي والأمني
والاقتصادي الذي لازم مملكة علوة والمقرة رغم تطور الحياة السياسية والاجتماعية الثقافية
فيهما، حيث لم يكن هناك استقرار في الأحوال بسبب اختلال الأمن والنزاع بين القبائل
العربية حول مواطن الرعي([13]).
ونجحت السلطنة الزرقاء في تجاوز
النظام الإقطاعي الملكي الذي كان سائداً في الممالك التي سبقتها في السودان وحاولت
خلق نظام اجتماعي جديد يقوم على شئ من المساواة بين أفراد المجتمع رغم أن نظام
السلطنة الزرقاء كان نظاماً فيه شي من المرونة و شبه إقطاعي , وكان ذلك خطوة في
تخليص الناس من العبودية التي كانت تحكم ممالك النوبة.
كان اتحاد الفونج والعبدلاب هو تعيير
عن واقع اجتماعي جديد بعد انتشار الإسلام ودخول القبائل العربية في أواسط السودان,
وتم فيه اتحاد سياسي وزراعي للنوبة, لأن الأرض هي ركيزة المجتمع الرعوي والزراعي،
الأمر الذي أفضى إلى توافق اجتماعي بتقسيم الأراضي على مناطق الفونج بمكوناتها الاجتماعية
وكذلك الحال بالنسبة لمكونات العبدلاب (أي قسمة عادلة للسلطة والمال)، وبالتالي
قاد للتعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية للسلطة الجديدة (السلطنة الزرقاء) كما
تضمن الشريعة الإسلامية في المسائل من حق الزواج والتزاوج والميراث وغيرها من
عوامل الاستقرار الاجتماعي الذي ألف بين المكونات الاجتماعية للمملكة، إذاًً قاد
التحالف السياسي الاجتماعي واللغوي إلى مكونات السلطنة الزرقاء ويرجع للعوامل
الآتية([14]):
في قيام دولة الفونج تدخل العوامل
والدوافع الاقتصادية مثل حماية تجارة القوافل أي التجارة الداخلية والتجارية
بتوفير الأمن والاستقرار وإجمالي القول أن هناك عوامل أدت إلى قيام حلف بين مكونات
السلطنة الزرقاء منها العوامل الاقتصادية والأمنية والدينية والسياسية والاجتماعية
.
عموماً: أن تحالف الفونج والعبدلاب هو
تحالف سياسي أنشأ دولة ذات اقتصاد وسياسة وأمن واستقرار ومزج بين الصحراء والغابة
وكان المجتمع هو نتاج عربي إفريقي , وكان لهذا التحالف أثر فاعل في مجمل تفاعلات
التحول الاجتماعي والسياسي الثقافي مما اطر التعايش السلمي أدى في محصلته إلى عملية
اندماجية بطريقة تدريجية وسلمية خلقت مملكة متعددة الثقافات والأعراق ومما أكسبها
الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي فيما يعرف بالسودان الآن. وأفرزت نموذجاً
للعلاقة الإيجابية بين المكونات الاجتماعية ما بين الوحدة والتنوع وكان التنوع بكل
أشكاله مصدر قوة المملكة وأصبحت بؤرة للجاذبية في عملية التحول الشامل.
كما اهتمت المملكة بالعلم وأقامت رواق
السنارية في الأزهر ويرجع ذلك إلى أن كل القبائل اهتمت ببيئتها وحفاظت على هويتها
, وبهذا الشكل استطاعت دولة الفونج (السلطنة الزرقاء) أن تقدم للسودان حكومة قومية
موحدة.
كان النظام يأخذ بالشورى من خلال مجلس
شوري يساعد على اختيار الحكام وتسيير شئون الدولة ويعزل السلطان عندما يستحق الوضع
ذلك وقد أخذت الدولة بنظام الحكم اللامركزي لمناسبتة لطبيعة التكوين القبلي كما
يناسب طبيعة التحالف بين الفونج والعبدلاب الذي يعطي العبدلاب الحرية والاستقلال
الذاتي في ظل التبعية لملوك سنار داخل الدولة الواحدة .
كما انه يلائم ما يتطلبه اتساع
الدولة، وكان النظام اللامركزي هو النظام الذي يواكب السودان في تلك الحقبة.
كان النظام الاقتصادي في دولة الفونج
متطوراً نتيجة للسياسات الاقتصادية النابعة من انعكاسات للحكم اللامركزي الذي سارت
عليه الدولة التي انتهجت المنهج الإسلامي في الزكاة والخراج والعشور ويدار ذلك
النشاط في بيت المال الذي له فروع في الأقاليم، واكتفت الدولة بالإشراف العام على النشاط
الاقتصادي.
أزالت المملكة نظم الحكم وحياة
المجتمع التي كانت سائدة قبل قيام المملكة التي كانت تعاني العبودية والفوارق بين
الراعي والرعية واستبدلتها بنظم جديدة تقوم على الحرية والمساواة والمسئولية الاجتماعية
.
كما أزالت الفروق بين مكونات المجتمع وكانت
الروابط الوثيقة بين أفراد المجتمع على أساس التقوى وليس على أساس اللون والعرق أو
العنصر([15]).
كان الاتجاه السائد في دولة الفونج
عدم التدخل في توجيه الحركة الفكرية لمصلحة مذهب ديني معين .
يتوج ملك سنار في عهد مملكة الفونج
,حيث يكون هناك عدد من المرشحين للعرش بعد أن يقوم مجلس أكابر الدولة بعملية
الاختيار وعندما يقع الاختيار تبدأ المراسم بأن يؤخذ المنتخب إلى مكان بعيداً عن
أعين الناس يسمى المحبس وبعد نهاية فترة الاعتكاف يخرج إلى ساحة التتويج حيث يجمع
رجال الدولة من الأمراء .
أسباب وكيفية سقوط مملكة الفونج:
بلغت دولة الفونج أوج قوتها في عهد السلطان بادي أبوشلوخ، إذ تحققت
في عهده إنتصارات على الحبشة وكردفان، غير أن هذا العهد حمل في طياته نهاية مملكة
الفونج، حيث تحول الحكم إلى قائد الجيش أبولكيلك
(انقلاب عسكري كامل الأركان) وتم عزل الملك بادي وعين إبنه (ناصر) بدلاً منه وذلك
في عام 1751م، وعاونه في ذلك كبار رجال البلاط الملكي في سنار من غير حكام
الأقاليم، الذين يضمون في صفوفهم أسرتي الأمين والجندي([16]).
وكذلك الفقهاء في البلاط وأصبح الحل والعقد بيد القوى الجديدة
بقيادة الهمج (هم قبائل من بقايا الشعوب التي كانت تسكن المنطقة) عقب تغلبهم على
الفونج، وصارت القوة هي الطابع الأساسي الذي ينظم علاقة الحاكم بشعبه، وأرتفعت
أسهم ابولكيلك السياسية والتف حوله قادة الجيوش، واصبح ابولكيلك قوة يحسب لها حساب
وسط الحياة السياسية، حيث بدأت الفتن والوشايات بين مكونات المملكة وذلك بسبب
الأطماع الذاتية بين قادة الأقاليم، فكانت البداية في حرب كردفان([17]). وبدأ العزل السياسي
بين الملوك والوزراء وانتهى عهد الشورى([18]).
فكثر القتل والخلافات
والحروب الأهلية،كما قام ابولكيلك بعزل الملك ناصر عقب علمه بأن ناصراً بدأ العمل
ضده بهدف إزاحته وقتله عام1767م، وعين ابولكيلك أخاه إسماعيل ملكاً على مملكة سنار
.
دخلت مملكة الفونج في حروب متعددة الجبهات في كردفان والمسبعات ومع
الفور([19]).
في وقت كانت فيه الجبهة الداخلية للمملكة غير متماسكة وبها كثير من
الفتن والمشادات الداخلية بين مكونات المملكة مع انفراط العقد الاجتماعي الداخلي
وصراع على كرسي المملكة بين الفونج والهمج([20]).
مما سهل تفتيت الحكم من
الداخل وأظهر ضعفها وعدم تماسك المملكة، ونشوب صراع مسلح داخلي بين الشريكين وتمرد
لبعض الأقاليم على السلطة المركزية، حيث خرج الشكرية في إقليم شرق النيل الأزرق عن
طاعة الملك في سناروحاول الوزير (بادي) الانتقام من الشكرية ولكن جيوشه هزمت على
يد الشكرية ([21]). مما حفز الأقليم
الأخرى في مناطق العبدلاب على الخروج عن طوع الملك في سنار،ونشأت علاقة بين كردفان
والاقليم الشمالي للمملكة بعد أن دانت كردفان لسيطرة السلطان تيراب (سلطان الفور)
كانت الهيمنة في تلك العلاقة للقطاع الخاص([22]).
كما دارت حروب بين الهمج أنفسهم وانشقاقات مع الجزء الشمالي من
المملكة (العبدلاب)، بالإضافة للانشقاقات داخل بيت العبدلاب وتصاعد النزاع بينهم
ودارت حروب بين مكونات المملكة وأعمدتها الأساسية([23]).
دخلت كل أرجاء المملكة في عملية استقطاب سياسي قاد إلى تفكك أوصال
المملكة، وأصبحت مجموعات متناحرة فانهار نظام الفونج السياسي والإداري وانفرط عقد
السلطة المركزية في سنار، وبدأ سكان كل دار من مكونات المملكة يشعرون باستقلالهم
السياسي، وبالتالي تدنى الأفق السياسي إلى أدنى مستوى وتخلى العامة عن شئؤن
المملكة العامة، وتوجهت كل مجموعة إلى ذاتها، وبذلك فقدت المملكة التماسك والوحدة
وشرعية السلطة([24]).
حتى دخلت جيوش محمد على
باشا إلى سنار دون مقاومة، ولم يسع زعماء سنار إلا للتسليم في عام 1821م.
إذن التطور السياسي والاقتصادي في مملكة الفونج بدأ من حيث انتهى
النظام الذي كان سائداً في دولتي علوة والمقرة , واحترام حقوق المواطنين وحرياتهم.
– لم
يكن هناك عنف قبلي (الارتباط بميثاق قبلي قوي) وتوتر عرقي أو طائفي.
– عدم
الفوضى.
– ارتفاع
في النظام السياسي وفاعلية في السلطة .
– سرعة
تطور المؤسسات السياسية لمواكبة التطور الاجتماعي السريع بعد دخول الإسلام، مما
خلق التجانس الاجتماعي في مملكة الفونج، بالإضافة للتجانس و التعايش الاجتماعي، والسياسي
واللغوي .
اختلف مجتمع دولة الفونج عن المجتمع الذي سبقه، الذي اعتمد على
الارض وماعليها ملكاً للملك، ولكن دولة الفونج لم تقص الديان والمعتقدات التي كانت
سائدة في المجتمع،كما أزالت الفوارق بين طبقات المجتمع وبين الراعي والرعية،وأزالت
العبودية المطلقة للملك. وطبقت المساواة الاجتماعية.
اتساع بقاع السودان وتوسع المملكة السنارية، والنظام اللامركزي
يتماشى مع طبيعة السودان وطبيعة المجتمع لكثرة التكوينات القبيلية والجغرافية.
اتسمت سياسة السلطنة الزرقاء بالتسامح الديني، والاعتراف بحقائق التنوع الثقافي
لرعايا الدولة.
[1] أ.د. حسن الساعوري مصدر سبق ذكره-
ص 6.
[2] أحمد شابي – موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة
الإسلامية –الجزء الأول – الطبعة الثالثة – مكتبة النهضة المصرية/ القاهرة 1978م-
ص 301 – 304.
[3] جاي سبولدنق – عصر البطولة في
سنار- ترجمة أحمد المعتصم الشيخ- هيئة الخرطوم اللصحافة والنشر- الطبعة الثانية
2014م – ص 80 وص 276وص 281.
[5] جاي سبولدنق –
مصدر سبق ذكره ص 120- 121.
[6] جاي سيولدنق المصدر نفسه ص 34.
[7] جودات بابكر الشيخ سعيد – دور
السلطنات الوطنية في نشر الإسلام في السودان(الفور – الفونج – المسبعات – تقلي)
دراسة ماجستير غير منشورة- كلية الآداب – جامعة الإمام المهدي – ص 25.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق