الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019


استراتيجية ترامب الجديدة للأمن القومي الأمريكي
 والقرصنة السياسية
د.  شمس الهدى إبراهيم إدريس
القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي ترامب بنقل سفارته لدي إسرائيل إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيلأثارحفيظة المجتمع الدولي عامة والدول العربية والاسلامية بصورة خاصة.وكانت ردة الفعل قوية من جانب الدول العربية والإسلامية .فقدمت مشروع لمجلس الأمن يحذر من التداعيات الخطيرة للقرار الأميركي ويطالب بإلغائه ، فاتخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقفاً خاطئاً باستخدام حق النقد (فيتو) ضد المشروع.كان يمكن أن يكون مشروع القرار مخرجاً لأمريكا لامتصاص الغضب الرسمي والشعبي الذي ندد بالقرار ، ولكنها آثرت أن لا تُغضب إسرائيل . . مما لا يضع مجالاً للشك أن الدولة الأمريكية لا تتلاعب أو تتهاون فيما يمس إسرائيل . وبالتالي لم تكترث لأي نداءات أو رجاءات من أي كائن كان في أي مسألة تخص إسرائيل.مما دعى تركيا تقديم مشروع قرار للأمم المتحدة يرفض اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل.

بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، المؤلفة من(193) دولة، جلسة طارئة، للتصويت على مشروع القرار وصوت(128) دولة لصالح القرار، فيما عارضته تسعةدول، وامتنعت (35) دولة عن التصويت.الأمر الذي لم يرض مندوبة الولايات المتحدة الأمركية نيكي هالي ،التيشنت هجوما عنيفا على الأمم المتحدة مذكرةً بأن بلادها "أكبر مساهم في ميزانيتها"، وكررت تصريحاتها المعادية السابقة للأمم المتحدة ووصفتها بأنها "طالما كانت مكانا معاديا لإسرائيل.
كما شن مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، داني دانون، هجوما عنيفا على الأمم المتحدة،
واتهمها بالنفاق،ولا يمكن لأي قرار في الأمم المتحدة أن تبعدنا عن القدس.
سبق ترامب التصويت بالأمم المتحدة ، وهدد بقطع المساعدات الأمريكية عن الدول التي تصوتبالأمم المتحدة ضد قراره باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. تُعد هذه الخطوة خطوة استفزازية لأعضاء للأمم المتحدة وهدر كرامتهم.وأقل ما يُوصف به الموقف الأمريكي هو قرصنة سياسية وإرهاب الدول.خاصة وأنه أردف التهديد بإعلان استراتيجية جديدة للأمن القومي الأمريكي ، مؤكدا أن الولايات المتحدة تدخل (عصرا جديدا من التنافس)، تتحداها فيه روسيا والصين.وحددت استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة  . أن تهديدات رئيسة على أمن البلد، وهي “طموحات روسيا والصين” وإيران وكوريا الشمالية والإرهاب.
اعترف  ترامب بان هناك تراجع خلال الحقب الماضية في الدور الأمريكي الريادي مما جعل الشعب الامريكي يفقد الثقة في الحكومات المتتالية وكذلك بدأ يفقد الثقة في المستقبل، وقال: (الآن المنافسة أشد شراسة لكننا سنثبت أننا الأقوى). وأكد أن
روسيا والصين منافسين لأمريكا، رغم علاقته المميزة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين .ونلاحظ تتطابق روح حديث ترامب مع روح حديث بوش الأبن (من ليس معنا فهو ضدنا) ،وهذا شاهد ان روح ونفس الاستراتيجية الأمريكية استخدام القوة في المسائل التي تمس الاستراتيجية الأمريكية .


انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية في عهدى أوباما وترامب منهجاً مختلفاً عن المنهج الذي اتبعته رؤساء ما بعد الحرب البارده ،كان ستخدام القوة العسكرية والحرب الإسباقية. فأدخل بذلك الرعب وسط الشعوب والرؤساء في دول العالم ، الأمر الذي حقق السيطرة والنفوذللولايات لأمريكا وسادت مقولة (ما نقوله نحن يمشي) ، كما جاء في كتاب الكاتب الأمريكي بول فندلي . أما ماقام به أوباما الذي بدأ مسيرته السياسية بزيارة معاقل العالم العربي والإسلامي معتذراً عن سياسة ما سبقه ، ووصفت تلك الزيارات بأنها تحسين لصورة أمريكا التي شوهها بوش الإبن ،ولكنه سار على درب أخر وهو دعم الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط بتغذية الصراعات فيها واحكام السيطرة على المنطقة ، حيث وضع شواخص وهمية للعدو وأدخل المنطقة حروب داخلية طاحنة وحصدت أمريكا وإسرائيل الثمار.وقضت على بؤر العدو المحتمل ودول الممانعة.
جاءت فترة ترامب بشيء من الخوف والتوجس منذ بداية حملته الدعائية التي لم يستبشر بها العالم خيراً . وبدأ رئاسته في البيت الأبيض يبدو وكأنه متخبطاً وغير مكترس لرؤى مساعديه والرأي العالمي .ووجه بحملة داخلية وعالمية ولكنها بلا فاعلية . والنظر بعمق لسياسات ترامب يتأكد تماماً أنها قرصنة سياسية باستغلال النفوذ والسيطرة التي حققتها فترة ما سبقوهما لتعزيز السيطرة والتفوذ وبالتالي تعزيز الاستراتيجية الأمريكية تجاه الأمن الإسرائيلي الذي تعتبره من الأمن القومي الأمريكي. فخطوات ترامب التي اتخذها تجاه بعض القضايا والتي وصفت بأنها ليست متسقة مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ومضرة بعلاقة واشنطن الخارجية.ووصلت إلى حد أن اتهمه البعض بالخرف وعدم المبلاة ، ووصف البيت الأبيض في عهده أنه ليس أكثر من مسرح عبثي يفيض بالسطحيين يقودهم مهرج لا رئيس لدولة عظمى.كما جاء في كتاب مايكل وولف (النار والغضب).ولكن في رأيئ أن هذه الحملة هي مبررات لأجراءات وسياسات ترامب نحو العالم العربي والإسلامي التي تصب في صالح الاستراتيجية الأمريكية وفسح المجال لتكوين دولة إسرائيل العظمي. حيث واصل في زرع الفتنة وسط العالم الإسلامي الذي إبتدرها أوباما في الصراع بين الشيعة والسنة ، وأردفها بالفتنه وسط مجلس التعاون الخليجي ،وآخرها حتى الآن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.والملاحظ  أن تلك الخطوات تصب في تدمير القوة الأخرى من العالم العربي والإسلامي التي تخطتها وفلتت من الفوضى الخلاقة التي دمرت الجزء الممانع لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية لتكوين الشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيل.
هل بعد كل هذا يمكن أن نقول أنه رئيس مهرج ومتهور؟. والإجابة لا. ولكنها الخطوات العملية للتنفيذ العميق الاستراتيجيات ، لاسيما الاستراتيجية الأمريكية.فخطوات ترامب تأتي في إطار انجاح بعض المطلوبات العميقة تجاه العالم العربي والإسلامي ، وبالتالي يكون قد ضمن جانبهم. فأعلن استراتيجية للفترة القادمة عندما قال "أن روسيا والصين يهددان المصالح الأمريكية".وكأنه يعترف بأن الفترة القادمة ستشهد حرب باردة جديدة ، رغم تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الأوروبي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق