الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019


أمريكا ومستقبل إدارة الصراعات في الشرق الأوسط
د. شمس الهدى إبراهيم إدريس
  تتمتع منطقة الشرق الأوسط بأهمية استراتيجية في الحسابات الدولية عامة، والأمريكية خاصة. علاوة على ممارسة أدوار إقليمية تسعى للتأثير في مستقبل المنطقة.    فالولايات المتحدة الأمريكية لها مصالح حيوية متعددة وارتباطات وثيقة مع عدد من دول المنطقة ، وتعي جيدًا أهمية اعتماد سياسات فاعلة للحفاظ على هذهِ المصالح في ظل تطورات وأحداث متسارعة تمر بها المنطقة  من حروب داخلية وانقسامات إقليمية وصراعات نفوذ . في ظل تغيرات جيوسياسية جراء سقوط انظمة وسقوط قناعات كانت تسيطر على المنطقة لعقود ماضية .
تشهد المنطقة صراعات غير مسبوقة عقب ثورات الربيع العربي التي خلقت سيولة سياسية كانت الدافع والمساعد الأول لتهيئة البيئة الحاضنة للفوضى الخلاقة التي كانت تحتاجها الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ سياساتها.وواجهت المنطقة أزمات سياسية وحالة من عدم الاستقرار الأمني والإقتصادي والاجتماعي .فكانت السمة الغالبة للوضع الحالي تتنوع بين اسقاط انظمة حكم وازمات امنية وتدهور اقتصادي وحروب أهلية وتصاعد في أعمال العنف وانقسامات دينية – مذهبية تؤججها التدخلات الاقليمية ناهيك عن تنافس وصراع إقليمي ودولي على كسب النفوذ في المنطقة العربية بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
هذا الوضع ووفقاً لمبدأ الفوضى الخلاقة الذي إبتدرته (كونداريزا رايز) قد أفرز زخماً لحروب أطراف عديدة بعضها حروب بالوكالة، والبعض الأخر حروب مباشرة ، و لم تُفرز أي قوى إقليمية حرة فتوارت القوى التقليدية وظهرت قوى جديدة منسجمة مع استراتيجيات وسياسات القوى العظمى والكبرى التى تهدف إلى الحفاظ على توازنها فى المنطقة أوتغييره لصالحها، مما حتم على أن يكون لها حضور فى أزمات المنطقة، بل والقدرة على طرح المبادرات والحلول أوفرضها فى بعض الأحيان بما يتلائم مع مصالحها ويٌعزز من نفوذها فى المنطقة، كل هذه التغيرات والأحداث الإقليمية ليست على سبيل المصادفة بل هى نتيجة تراكمات لأزمات عدة وجدت الحافز المحلى بالدول الشرق أوسطية وحركها العالم الخارجى، وبالتالى فهى نتيجة حتمية للتغير فى الإستراتيجيات الدولية للقوى العظمى والكبرى، ما أدى إلى جعل النظام الدولى الإقليمى الحالى أكثر عُرضه للفوضى والإنهيار.واستعمال مجلس الأمن الدولي كأداة للفوضى باستخدام لحق النقد بصورة مخلة بالأمن والسلم الدوليين.
فاستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية لتمددها الزائد فى العالم  سياسة التلاعب بتوازنات القوى الإقليمية من خلال تحديد القوى المركزية فى أقاليم العالم الجيوسياسية، وتسخير هذه القوى لضبط بعضها البعض ، وأنها الوسيط الداعم للسلم والقوة الوديعة التي نحافظ على الاستقرار. ورصد أهم التفاعلات في المنطقة للقوى الإقليمية الفاعلة فى النسق، والوقوف على أدوارها وسيناريوهات تحالفاتها. ويقف الموقف الأمريكي في ازمة الخليج العربي ومجلس التعاون شاهداً على ذلك.
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لوضع سيناريو أن تكون هناك دول محورية فى الشرق الأوسط  ذات موقع جغرافى يؤهلها للعب دور محورى قادر على التحكم فى المنطقة، بالإضافة إلى إمتلاكها الأدوات المؤثرة فى لعبها  الدور المطلوب، وبالتالي يزيد من توغلها وهيمنتها على المنطقة، وتحاول الاستفادة القصوى من مجموعة الدول التى تملُك القدرة والإرادة الوطنية اللازمتين لممارسة النفوذ فيما وراء الحدود، لغرض تبديل الوضع الجيوبولتيكى القائم إلى الحد الذى يؤثر على مصالح المنافسين لها، بغض النظر عن موقعها، أومساحتها الجغرافية،أوحتى حجم نفوذها السياسى فى المنطقة، كما تسعى أن تستخد الدول التى قد تمتلك عوامل القوة إلا أنها تظل غير قادرة على التأثير وفرض الإرادة على الدول الأخرى والتعديل من الأوضاع السائدة فى المنطقة .
هذا الوضع وهذا السيناريو أشعل صراع للمحاور الجيوبولتيكية فى مواجهة القوى الإقليمية والدولية كإيران ، وتركيا ، وروسيا والصين.وعملت الولايات المتحدة الأمريكية على دعم القوى الإقليمية المعارضة والفاعلين(ذات المنطلقات الطائفية والعرقية) من غير الدول والحكومات فى المنطقة ، وتسخيرها والإستفادة منها فى حربها التنافسية مع القوى الإقليمية الأخرى، كل ذلك أدى إلى التسريع من تنفيذ المخططات والمشاريع التى تستهدف منطقة الشرق الأوسط لتجعلها أكثر تفتيتاً وتقسيماً، كما هو الحال في الأزمة السورية، المشكلة العراقية، والأزمة اليمنية .فعلى سبيل المثال لا الحصر، الملف الايراني السعودي ، حيث تعتبرالمملكة العربية السعودية أقدم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية رغم الفتور في العلاقات بينها إبان إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أما إيران فهي أحد الدول المارقة في المنظور الأمريكي. ورغم تعقيدات التعامل في السياسة الأمريكية مع السعودية وإيران وصراعهما المعقد في منطقة الشرق الأوسط. والصراع السعودي – الإيراني الذي تصاعد منذ قيام الثورة في إيران في العام واختلط ما هو سياسي بما هو ديني في هذا الصراع الذي احتدم في ظل تطورات الثورات العربية، وبشكل خاص في اليمن وسوريا وأخذ طابعًا عسكريًا طغى على الجوانب السياسية والاقتصادية . في ذات الوقت اتفقت إدارة أوباما مع إيران دولياً حول برامجها النووي ، مما فتح المجال لها لمد نفوذها في المنطقة العربية ، ولم تواجه أوتساند الولايات المتحدة الامريكية الرياض في حربها العسكرية أوالسياسية ضد إيران . في وضع أقرب للاستنزاف السياسي والمالي للمملكة السعودية.خاصة وان الانخراط السعودي في اليمن على شكل تدخل عسكري، خاصة عندما انقلب الحوثيون على الحكومة الشرعية واستولوا بقوة السلاح على العاصمة صنعاء والعديد من المدن اليمنية، وتمثل هذا الانخراط بقيادة السعودية لعملية عاصفة الحزم” ولا زالت العملية مستمرة بهدف القضاء على التمرد الحوثي، أما إيران فهي الداعم الرئيس للحركة الحوثية في اليمن وتقدم لهم العون سياسيًا واقتصاديًا.
لقراءة مستقبل إدارةأمريكا للصراعاتفيالشرقالأوسط من خلال تعامل دونالد ترامب مع الفاعليين الرئيسيين في المنطقة، والدور المتوقع أن تلعبه الولايات المتحدة في حالات الصراع المختلفة في المنطقة، سوف يتحدد بشكل كبير كنتيجة لمجموعة من التفاعلات بين الولايات المتحدة والقوى الإقليمية بالمنطقة. بإعادة بناء بعض التحالفات الإقليمية في المنطقة كنتيجة للتطورات السياسية التي شهدها العالم العربي علي وجه الخصوص خلال الخمسة أعوام الأخيرة.
يتوقع صياغات جديدة  من خلال علاقة الولايات المتحدة بالفاعلين الرئيسيين في الشرق الأوسط. تؤمن في جوهرها حفظ أمن وسلامة إسرائيل على حساب سلم وأمن المنطقة .وترى الإدارة الأمريكية أن أمن واستقرار الشرق الأوسط هو عدم  وجود قوة إقليمية تهدد الاستقرار والأمن الإسرائيلي. وبالتالي سيستمر الوضع حتى يحقق ذلك المبتغي.ويرتبط الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بتحقيق الهدف الأسمى. فتسعى الولايات المتحد ةالأمريكية اتحقيق هذا الهدف من خلال.
المملكة العربية السعودية
ينظر ترامب للمملكة العربية السعودية  بأنها مستودع مالي ضخم  لابد من الاستفادة القصوى منه . والدليل عددتصريحاته أثناء حملته الانتخابية، حيث تمحورت تلك التصريحات حول فكرة الاستفادة المالية القصوى من موارد السعودية، وربط التحالف السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بحجم المكاسب الاقتصادية والمادية المباشرة العائدة علي الولايات المتحدة. ، إلا أن حجم المصالح الاستراتيجية بينهما  أكبر من أن يتمكن ترامب من تجاهله، وبالتالي سوف تظل مجالات التعاون المشترك في مجالات الأمن والتبادل التجاري وصفقات التسليح تلعب دورها كأسس داعمة لاستقرار العلاقة الثنائية بين الرياض وواشنطن.
جمهورية مصر العربية
 يتوقع تصاعد موجة التقارب مع مصر بحيث يتجاوز هذا التقارب حدود العلاقة المباشرة ليصل نوع من التنسيق العالي في الرؤى الإقليمية لمناطق الصراع الإقليمي ، هذا التقارب يحمل في طياته تحولاً جوهرياً في السياسة الأمريكية مع العلاقة مع مصر دون الإلتفات إلى قضايا التحول الديمقراطي أو الحريات أو حقوق الإنسان، بالتالي تتخطى المرحلة القادمة مرحلة التوافق السياسي ليصل لمرحلة التوافق العملي.
تركيا
يظل الملف السوري أحد النقاط التي تحدد العلاقات الأمريكية-التركية سلباً أو إيجاباً، حيث تعتبر تركيا أن الملف السوري هو أهم قضايا أمنها القومي.كما تعتبر الولايات المتحدة أن العلاقة التركية الإسرائيلية أحد المحددات للرؤية الأمريكية في الشرق الأوسط رغم عدم إطمئنان أمريكا للجانب التركي في هذه الزاوية.ويتوقع استمرار التعاون الأمريكي التركي على هذا المنوال رغم الحزر المتبادل وعدم الثقة المتبادل بين الجانبين.وهكذا الحال من رؤية الإدارة الأمريكية وإدارة ترامب للعلاقة مع إيران مع استخدام إيران جرس إنزار للمملكة العربية السعودية عند الضرورة.مع  جر إيران لقبول إعادة التفاوض حول برنامجها النووي، وماولة تحييد بعض المعارضين للسياسات الأمريكية .ويتوقع زيادة من الضغوطات الإقتصادية على إيران التي لايتوقع أن تستجيب إيران كثيراً للمطالب الأمريكية، وفي نفس الوقت زيادة حجم المصالح الاقتصادية الأمريكية في إيران.
عموماً تنظر الولايات المتحدة  لملفات الصراع في الشرق الأوسطوفقاً لحجم التفاعلات الإقليمية والدولية المرتبطة بالتطورات السياسية والعسكرية في الملف السوري أولاً من خلال حجم الفائدة العائدة علي الولايات المتحدة من فكرة الريادة في الشرق الأوسط، حملت تصريحات ترامب في طياتها مرونة واضحة نحو استمرار بشار الأسد في موقعه، ودعم للتدخل العسكري الروسي في الأزمة. والانسحاب من التواجد العسكري في سوريا، ومن المحتمل أن يأتي هذا الانسحاب بالتزامن مع نوافق روسي - أمريكي تركي حول خارطة طريق للتسوية السياسية في سوريا بعد تعديل موازين القوى العسكرية علي الأرض.
يتوقع أن تحاول واشنطن أن تمسك بكافة خيوط اللعبة مع كل الأطراف المتناقضة، وتعمل في الخفاء أكثر مما تعمل في العلن (أي السياسية الباطنية) ففي الوقت الذي تتعامل فيه مع الحكومات والأنظمة الشرعية الصديقة، تتعامل سرا مع جماعات أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الجماعات الطامحة للوصول إلى السلطة عبر القوة ولا ترى واشنطن غضاضة في ذلك، بل تعتبره إحدى أدوات السياسة الأميركية التقليدية التي تجيد إدارة المتناقضات وتتعامل مع الشيء وضده، وهذا هو واقع وحقيقة السياسة الأميركية التي تعتمد على تكريس التبعية لواشنطن، وخلق بيئة سياسية غير مستقرة، مع زيادة النعرات الطائفية، والحروب الأهلية، والصراعات الإقليمية على أسس عرقية أو قومية أو مذهبية، واستخدام التطرف كورقة للعب بها في الوقت المناسب وبتكتيك استخباراتي دقيق ،وتعمل جاهدة على هدم أي زعامة عربية تقف حجر عثرة في وجه المصالح الأميركية والإسرائيلية،خاصة في ظل عدم توافق ورؤى مستقبلية لمعظم دول الشرق الأوسط لاسيما الدول العربية والإسلامية .وهذا ما تكشف عنه الفترة القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق