الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019


قراءة متأنية حول صفقة القرن
الصفقةعمليات وليس بنود
د. شمس الهدى إبراهيم إدريس
كثر الحديث والجدل عن ما تم تسميته صفقة القرن، وذُكر أن صفقة القرن المستهدف بها تصفقية القضية الفلسطينية. ولكن يبدو أن الأمر أكبر من القضية الفلسطينة ، والمسنهدف منها الحضارة الإسلامية والعربية . لصالح حضارات غربية يكون رأس الرمح فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الكبرى من النيل للفرات. فالمتتبع لتصريحات ترامب وفي أركان حملته الانتخابية والمرشحون لتولي المناصب الرئيسية في إدارته. فالكثير منهم من غلاة المؤيدين لإسرائيل وللاتجاهات اليمينية المتطرفة فيها. إذ منهم نيوت غينغريتش صاحب مقولة "إن الشعب الفلسطيني شعبٌ مُخترع"، ووليد فارس ذو الأصل اللبناني، الذي كان في تنظيم "حراس الأرز" المعادي للفلسطينيين، ورودولف جولياني وجون بولتون، المعروفَان بتأييدهم الأعمى لإسرائيل، إضافة إلى نائبه مايكل بنس الذي ينافس غلاة الإسرائيليين في تطرفهم.وأنه كما وصفه نتياهو هبة الله للشعب اليهودي ، وأقامة دولته على أرض مهبط الرسالة اليهودية وشعب الله المختار.
إن التقييم الموضوعي للسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية يقود دائما إلى مقولة واحدة مفادها أن هناك التزاماً تاماً من جانب الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن إسرائيل مهما كانت التحديات الإقليمية والدولية, مع التأييد الشفهي لإقامة دولة فلسطينية بما لا يتعارض مع متطلبات الأمن الإسرائيلي, وهذا هو المبدأ الرئيسي الذي تتبناه أي ادارة أمريكية سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية.
قراءة اللهجة التي يتبناها ترامب وما تحتويه من عنصرية وكُره للأجانب ورفض للمسارات الديمقراطية، تؤكد أن لدى ترامب يتناغم مع الروايات التي تغلب على الثقافة الحقيقية للمجتمع الأمريكي وجذوره المبنية على فلسفة الحقد والكراهية للجنس غير الأبيض، فعلى سبيل المثال، البرنامج التليفزيوني الذي قدّمه ترامب "ذا أبرينتيس" على قناة إن بي سي، طرح أشياء لا تمثله هو شخصيًا كقصة الشخص الذي جاء من القاع إلى القمة من خلال مهارته وعمله الدؤوب. بل تمثل شريحة واسعة من المجتمع العنصري في أمريكيا. لذلك فمن الواضح لنا أن ترامب, وكما قال العديد من المحللين السياسيين, شخص كاذب وخطير للغاية على الصعيد المحلي والعالمي، لكن هذه السمات تؤكد أنه ليس بغريب على هذا العالم الجديد، بل هو نموذج مثالي لطائفته، التي انبثق منها وأصبح يمثل مصالحها، تلك الطائفة التي تدير الاقتصاد العالمي، وتحكم سياسات أمريكا وتحالفاتها وحروبها، ولا بد أن ندرك بشكل أكثر جدية وواقعية أن الديمقراطية داخل الولايات المتحدة هي ديمقراطية رأس المال، وهنا حديثنا يتمحور حول حياة سياسية فاسدة، يتحكم فيها نخبة من أسر اقتصادية شيطانية تدير أمريكا وسياساتها الخارجية والداخلية، ولا نتحدث عن حكام فاسدين، لأنهم أداة في يد تلك الأسر الشيطانية أمثال عائلة تاجر العملات القديمة ماجيراشيل (أمشيل) روتشيلد التي انطلقت بساستها الخبيثة منذ عام 1821، وأصبحت اليوم هي من ترسم مفاتيح أمريكا والعالم سياسياً واقتصادياً.رغم المنحى الخداعي الذي صدقة العرب والمسلمين لتجميل صورة أمريكا الذي أبتدره أوباما وتصويره أن صديق لهم ، وإطلاق الوعود بأنه سيمارس نهجاً مختلفاً تماماً عما سبقه من رؤساء أمريكا، يقود إلى تغيير الطبيعة الإجرامية والعدوانية للسياسة الأمريكية. وبغية إضفاء مسحة من الجدية على توجهه هذا، استخدم أوباما بلاغته في خطابه الشهير في القاهرة عام 2009، والذي تعهد فيه بطي صفحة الماضي المظلم بين أمريكا والعرب والمسلمين،استخدم أوباما في خطابه آيةً من القرآن الكريم تقول:(إتّقوا الله وقولوا قولاً سديداً)، وقال إن الإسلام جزء لا يتجزأ من أمريكا. تماماً كما فعل نابليون عندما غزا مصر. كما وعد أوباما بالتخلي عن الحرب عن الإرهاب والتي كانت تعني عملياً حرباً على العرب والمسلمين، وأخذ على نفسه التزاماً بالسعي إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وإنهاء معاناة الفلسطينيين، لا بل إنه شبّه نضالهم من أجل نيل حقوقهم المشروعة بنضال السود في أمريكا. والمحصلة أصبحت تساوي صفر بعد ثمان سنوات من حكمه.
فسر ما يقوم به ترامب  أنه شخصية كما تبدت من خطاباته وإيماءاته خلال الحملة الانتخابية واجراءاته العملية على أرض الواقع  تُظهره كشخصية يمينية متطرفة. وافتخر في مناسبات كثيرة أن أبنته تزوجت من يهودي، وتولد مولوداً يهودياً.فيقوم صهر ترامب ومستشاره في احلال عملية السلام في الشرق الأوسط بزيارات ماكوكية بين واشنطن وبعض الدول العربية والإسلامية ترويجاً لصفقة القرن التي اختذلها البعض في تسوية الصراع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.ورغم أن المبادرة لا يوجد اعلان رسمي عن تفاصيل هذه الصفقة الا ان تسميتها بصفقة "القرن" كانت بمبادرة من رئيس وزراء إسرائيل (بنيامين نتنياهو) لاكساء اهمية كبيرة على هذه الصفقة واعتبارها الانجاز السياسي الاعظم للولايات المتحدة الاميركية في الشرق الاوسط وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، وبموافقة عربية ضمنية على هذه الاملاءات الاسرائيلية في ظل ضعف عربي واضح.
القراءة في أعماق الأفعال تؤكد أن الصفقة وتفاصيلها ليست هي صفقة بين العرب والإسرائليين كما يدعي ، ولكنها صفقه من جانب واحد ، بل خطة لابتلاع كل الأراضي التي تجاور إسرائيل بما فيها الاراضي الفلسطسنية، واخضاع كل الشعوب العربية والإسلامية والمسيحية في الشرق الأوسط لسيطرة الكيان الإسرائيلي . وانهاء كل ما يهدد إسرائيل ووجودها على منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما قاد إلى وصف الصفقة ليس لها بنود محددة فيها فقرات واجب وأخرى حقوق ، ولكنها صفقة عمليات فعلية أهمها الإعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وثانيها الاعتراف بولاية إسرائيل على الجولان ، والبقية تأتي والخطر داهم.فالموضوع ليس تصفية القضية الفلسطينية ، ولكنها تصفية للهيمنة العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسط.
عموماً أن الخطوات التي يتبعها ترامب نحو العرب والمسلمين تكشف عن بنود صفقة القرن ، في ظل التأييد لمسار التسوية السلمية ، ويسعى الطرف الأمريكي جاهداً لإيجاد ميزان قوى محلي وإقليمي ودولي يجعل من يعترص على مسار الصفقة أمراًمتعزراً وستظل الاستجابة للمتطلبات والشروط الإسرائيلية هي جوهر الصفقة. وليس للدول العربية والإسلامية إلا الندم على ما فات.هل وصلت الرسالة للدورة الثلاثون للمجتمعون في تونس؟.

هناك 4 تعليقات: