الخميس، 2 يناير 2020




  المدنية في العالم العربي
 عن أي مدنية يتحدثون!؟
تسعى كثير من الدول العربية إلى تعزيز دور الجيوش في الممارسة السياسية بإعتبارها الضامن القوي للأستقرار السياسي والحفاظ على المسار الدستوري ومدنية الدولة وديمقراطيتها ومنعها من السقوط. وهنا يبرز سؤال ، ما هي الجهة التي يمنعها الجيش من محاولة سقوط الدولة المدنية والديمقراطية؟.هل هي الشعب الثائر ،أم هناك جهات آخرى تسعى لسقوط ديمقراطية الدولة.
من الثابت أن الدولة المدنية هي الدولة التي يشارك في إدارتها وعمليتها السياسية كل مؤسسات الدولة ومكوناتها دون إقصاء.ولتقريب المعنى معالجة العلاقة المدنية العسكرية. ويمكن أن نفهم أن المدنية التي ينادي بها الشباب الثائر، والتي تعني في نظرهم إبعاد القوات المسلحة من ممارسة العمل السياسي.وعليهم حماية المدنية وحراستها أي إبتعاد الجيوش من الإنقلابات العسكرية التي تقوض العملية الديمقراطية. ولكننا لن نفهم أن حكومة عسكرية إنقلبت على الديمقراطية والحكومة المنتخبة من الشعب،وتعدل دستورها لتمكين وتعزيز قبضة الجيوش و السيطرة على الحكم !؟، وتقول ذلك بهدف صون والحفاظ على الديمقراطية وحريات الشعوب والأفراد.
انفراد أي مكون من مكونات السياسية أو العسكرية بالسلطة والحكم وعدم فتح المجال للأخرين ، للمشاركة في العملية السياسية ومحاولة الإقصاء ،هذا يتعارض مع الدولة المدنية بمفهومها الأكاديمي والاستراتيجي الرصين. فالبلطة السياسية تقرر مفاهيم عن المدنية غير معروفة في القاموس السياسي المتعارف عليه.
عملية التحول الديمقراطي هي عملية ممتدة وقد تشمل عمليات ولها ارتداداتها ، ولكنه تحقق النجاح المطلوب بشرط أن تعالج الفترة الإنتقالية وتتصدى القوى السياسية لمعالجة القضايا الشائكة وعلى رأسها العلاقة المدنية العسكرية. ولايجب فتح كل الملفات القديمة في آن واحد.وبالتالي تكون المدنية هي عدم خضوع طرف مدني على طرف عسكري.ولا يمكن لحكم عسكري قابض ولم يفسح المجال للقوى السياسية أو الاجتماعي ممارسة العمل السياسي ولا يفهم أن يكون الجيش هو حامي وحارث الديمقراطية ، إلا إذا كان هنالك معنى أخر للديمقراطية لم تتطرق إليه الأضابير المعاجم السياسية والأكاديمية.
هذه مشكلة قادة العالم العربي الذي يتحدثون عن الديمقراطية والدولة المدنية في ظل حكومات عسكرية قابضة على زمام الأمور السياسية دون غيرها ، وتقول أنها حامية للديمقراطية والدولة المدنية . ويمكن أن نسأل أي مدنية وديمقراطية يتحدثون!؟.



الخميس، 19 ديسمبر 2019


مستقبل التحول الديمقراطي في خطر
أثبتت تجارب التحول الديمقراطي في السودان عقب كل مرحلة إنتقالية مصيرها الفشل وعدم اكمال عملية التحول قاد حزب سياسي فاعل في العملية السياسية ضاقت بها الديمقراطية انقلبت على القوى السياسي الآخرى بسند سياسي من القوات المسلحة، وبالتالي تكوين حكومة عسكرية مسنودة بحزب سياسي ، منذ حكومة عبود مروراً بحكومة مايو وختاماً بالانقاذ.
مما سبق أن سبب تعثر التحول الديمقراطي هو القوى السياسية نفسها وليس القوات المسلحة أو الانقلابات العسكرية، فشل الأحزاب السياسية  في النأي عن المكاسب الشخصية والحزبية والتكتلات دون الرؤية المستقبلية وحقوق الأجيال القادمة. فكان جيل الثورة فاقد الثقة في تلك الأجيال. المطلوب خلال المرحلة الانتقالية هو تأسيس لعملية التحول الديمقراطي وكسر الحلقة التي تدور محورها حول سلوك سياسي غير صادق انتج تحول ديمقراطي كاذب.
كانت ثورة ديسمبر ضد هذا السلوك والتداول غير السلمي للسلطة والدكتاورية العسكرية أو الدكتاتورية الحزبية، وإنكسار الأيدولوجيات أمام بريق السلطة ، في ظل دولة بدون هدى ولاعقل  ولاتفكير اللذان يقودان إلى التخطيط  السليم الذي يحكمه دستور متوافق عليه لو في حده الأدنى .
ركبت القوى السياسية على ظهر الثورة الشبابية، ومارست ذات السلوك والاسطوانات القديمة (المشروخة) ،وتحاول اسقاطها على مرحلة الانتقال السياسي (الحكومة الانتقالية)، فماذا حدث؟.
أولاً: نكصت أحزاب (قحت) عن وعدها الذي قطعته على الشعب السوداني الثائر إبان الثورة بعدم  دخولها ومشاركتها في أي من الأجهزة التنفيذية، وأنها تستعد لما بعد المرحلة الاتنقالية ويمكن  لها أن تشارك في السلطة التشريعية بهدف مراقبة أداء الحكومة وأجهزتها. ولكنها تدافعت بكثافة للدخول  في الحكومة عقب تكوين لجنة إختيار الوزراء ، فكان لها ذلك .والأن تصارع بشراسة من أجل المشاركة في ولاة الولايات، حتى وصل بها الأمر لتدخل في خلافات مع قيادات الجهة الثورية، رغم  الاتفاق أن منطوق الوثيقة الدستورية يقول "أن الست شهور الأولى من المرحلة الاتنقالية مخصصة للسلام.
هذا الوضع أصاب الشباب بخيبة أمل تجاه ما آلت إليه ثورتهم واختطافها من قبل الذين أوصلوا البلاد منذ الاستقلال لما نحن فيه، وطقت السلوكيات غير المقبولة  المتمثلة في صعود الأيدولوجيات المتناقضة والمتضادة التي دائماً ماتقود إلى الفتنة وتُعقد بعملية الانتقال السياسي ، وتعرقل عمل الحكومة الانتقالية الذي يجب أن تقوم به.وبالتالي تعرقل عملية التحول الديمقراطي. وهذا بدوره يؤشر إلى  أن مستقبل الديمقراطي في السودان في خطر، علاوة على أن تصريحات رئيس حزب الأمة القومي وتلويحاته بانتخابات مبكرة، وطالب في ذات الوقت دعم الحكومة الانتقالية.
ربط هذا الحديث مع سيرة المهدي السياسية وطريقته في التصريحات ، يوحي إلى أن عملية التحول الديمقراطي في خطر!. وإذا كان أن الأمر غير كذلك ، ما العلاقة بين الدعوة لانتخابات مبكرة وفي ذات الوقت يدعو لدعم الحكومة الانتقالية. ويقيناً أن التنافسية الحزبية والكسب الحزبي على المقاعد التنفيذية في المرحلة الانتقالية هي أس الداء الذي أفشل ثورات وحراك الشباب في المنطقة ولا سيما الثورة السودانية.

القوى السياسية تضع خنجراً في ظهر الثورة!

تطل بين الحين والآخر تصريحات التلويح بضرورة قيام انتخابات مبكرة في حال فشل الحكومة الإنتقالية . فالسؤال الأبرز هنا هل الإنتخايات هي الخيار الأنسب  لحل مشاكل السودان؟. تحتاج الإجابة على هذا السؤال تحليل دقيق وحقيقي عن مآلات الانتخابات التب أعقبت كل مراحل الانتقال السياسي للتحول الديمقراطي من حكم عسكري إلى حكم مدني" ومدني هنا ليس تعني المدنية" ولكنها استخدام مجازي في مواجهة الحكم العسكري.
أمامنا تجارب انتقال سياسي لم تفض إلى تحول ديمقراطي وتكوين  المؤسسات المدنية التي تقوم بدورها لاستدامة الديمقراطية. فالقوص في أتون التلويح بالانتخابات المبكرة  يحتم علينا تشريح الدعوات للانتخابات المبكرة في ظل حكومة إنتقالية في بداياتها . يحدثنا تاريخنا السياسي إن الحكومات التي عقبت عملية الانتقال السياسي في السودان في 1958 و1986 لم تنتج  أو تنجح في تحول ديمقراطي، فكيف لنا أن نذهب إلى انتخابات في حال فشل الفترة الانتقالية .ألم تكن الفترة الانتقالية هي فترة تأسيس للتحول الديمقراطي؟!.
سبق وأن نوهنا إلى أن شعار (تسط بس) دون برنامج ورؤى واضحة ومشاركة فاعلة من قبل الفاعليين الحقيقيين في ثورة ديسمبر 2018 في إدارة المرحلة الإنتقالية في ظل تهافت القوى السياسية "ذات الأجندة الخاصة " على سرقة ثورة الشباب ستكون النتائج كارثية. فحدث ما كنا نخشاه ، وفي مخيلتنا أن التطور  التطور السياسي في السودان وتجارب الانتقال السياسي عقب كل ثورة كان الفشل بسبب القوى السياسية.
كيف لزعيم ورئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي يلوح باللجو إلى انتخابات مبكرة.، ويكرر ذلك منذ ستينيات القرن الماضي في العام 1964م. وبالنظر لتلك الدعوة منذ ذلك التاريخ أنها تظهر  كلما تصاعدت حدة الصراع بين القوى السياسية ، وعدم توافقها  حول سير العملية السياسية في مرحلة الانتقال السياسي (الفترة الانتقالية) أو التحول الديمقراطي ، وتهديد استقرارها ، وكانت تستخدم لتهديد الآخرين. مرتكزة في ذلك على ثقلها السياسي في الأرياف التي غالباً ما تكسب  به الدوائر الجغرافية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، هو، هل قواعد الأحزاب الطايفية هي ذات القواعد قبل ثلاثون عاماً؟. تبدو الإجابة من الوهلة الأولى(لا). خاصة وأن الوعي السياسي ارتفعت قيمته وتعززت قوته جراء المشاركة الواسعة للفئيات الاجتماعية بكل مكوناتها في الثورة، ورافضة لتحدث الأحزاب وقياداتها في مسيرات الشباب. ما يؤشر إلى أن اتساع الرقعة الجغرافية للوعي المجتمعي ، وبالتالي اتسعت الرقعة الجغرافية التي كانت تقوم فيها الانتخابات، وهذه الرقعة الجغرافية الواسعة لها مطالبها واستحقاقاتها. لذلك الدعوة  لقيام انتخابات في الوقت الراهن هو رحيل للمجهول وقفزة في الظلالم. ولانجاح لإنتخابات إلا بنجاح المرحلة الانتقالية  التي أمامها الكثير  من المهام وهي مرحلة (تأسيس) للتحول الديمقراطي الحقيقي المستدام. وعلى القوى السياسية بكل أشكالها وتكويناتها أن تنأنى عن المهام التنفيذية في الفترة الانتقالية، وأن تستعد إلى مرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية التي لا تتحمل المناكفات والصراعات الحزبية إلافي إطار تكوين هياكلها وبرامجها والاعتكاف على خططها. أما استقلال الحكومة الإنتقالية لتنفيذ الأجندة الحزبية هو عين الفشل الحقيقي للمرحلة الانتقالية ، وبالتالي هو أول فشل في عملية التحول الد\يمقراطي المرتجى بعد مرحلة الانتقال السياسي.

الجمعة، 8 نوفمبر 2019

ما وراء قرارات ترامب المتناقضة حول الانسحاب الأمريكي من سوريا



العبرة لمن يتعظ

 

د. شمس الهدى إبراهيم إدريس
تتشابك الأهداف والمصالح الدولية والإقليمية في سوريا ،فتقاطرت الجيوش لتلك البلاد ، واصبحت أرض صراع ونزاع استراتيجيات . ما أحدث زخماً وحراك فيه كثير من الشد والجزب الساسي والتفاعل الدولي، حيث انتقل الحراك  حول سوريا من مجلس الأمن إلى حالة الاستقطاب والتفاهمات السياسية بعد فشل تحقيق المكاسب من داخل مجلس الأمن باستخدام الفيتو والفيتو المضاد. وصل الأمر في نهاية المطاف إلى صراع من ثلاثة مجموعات متداخلة المصالح والاستراتيجيات. أولى تلك المجموعات هي مجموعة الحكومة السورية وحلفاؤها من الروس والإيرانيين من جهة ، وثانيهاالولايات المتحدة الأمريكية وتركيا من جهة أخرى ، أما المجموعة الثالثة هي مجموعة هجين بين المجموعتين ، وهي مجموعة تركيا روسيا وإيران. وتلاحظ من خلال تلك المجموعات أن هنالك عدم إلتقاء بين الولايات المتحدة الأمريكية والمجوعة الأولي ، وهكذا الحال بين سوريا وتركيا. فتحركات أي مجموعة من تلك المجموعات له انعكاساته على الأُخريات ، وله تفاعلاته على أرض الواقع .كما يلاحظ تجنب أي من المجموعات الصدام العسكري المباشر بينها .
كانت المناطق الشمالية الشرقية من سوريا هي أكثر المناطق تتقاطع فيها المصالح والاستراتيجيات لأسباب عديدة  أهمها أنها منطقة نفطية ، وهي منطقة حدودية بين تركيا وسوريا ووجود الأكراد المناويين لتركيا علاوة على وجود مجموعات ال(pkk) التي تصنف من المجموعات الإرهابية . وهذه المجموعات تحظى بدعم أمريكي وهي تقف بجانب سوريا وضد تركيا ،فيما يوجد الجيش الحر المدعوم من قبل تركيا والمعارض للحكومة السورية.تركت روسيا وإيران هذه المنطقة للتفاعل بين تركيا والولايات المتحدة وسوريا كمنطقة لمساومة الحليف الثالث (تركيا) التي تتشابك وتتقاطع مصاله في مناطق أخرى.هذه التعقيدات والتقاطعات أفرزت وضع في منطقة شمال سوريا له خصوصيته في الحراك والصراع الدولي والإقليمي في المنطقة. فقرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من المنطقة ترك الأمر لتركيا لخبط احسابات الأطراف والمجموعات الثلاث ، وكاد الأمر أن يفكك التحالفات والدخول في متاهات عسكرية ربما تصل لتصدام عسكري بين الجانب التركي الذي يسعى لطرد الأكراد المواليين لأمريكا وسوريا وتسليم المنطقة لجيش المعارضة السورية (الجيش الحر) لضمات تأمين الحدود التركية من قبل المعارضة، فيما تسعى سوريا أن تحل محل القوات الأمريكية والمحافظة على القوات الكردية المتحالفة معها.
لم يقتصر قرار ترامب بالانسحاب الفوري للقوات الأمريكية  من شمال سوريا على التفاعل الإقليمي والدولي فقط . بل تعداه إلى الداخل الأمريكي ، حيث أحدث جدلاً  كثيفاً  وسط  القيادات الأمريكية وصلت لحد تقديم وزير الدفاع الأمريكي (ماتيس) استقالته من الوزارة ، فيما أحتجت واستنكرت مجموعات وقيادات سياسية هذا القرار كما هو الحال  في أروقة الكونغرس.كما دخل اللوبي الإسرائيلي على الخط بحسبان أن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا سيمكن المعاديين لإسرائيل من السيطرة على الوضع في سوريا ، وهذا يعتبر تهديداً مباشراً لإسرائيل. هذا القرار تعرض إلى رفض مبطن من قبل تل أبيب وطالبت ترامب بالعدول عنه.كما تباين ردود الأفعال الدولية ، حيث عبر حلفاء الولايات المتحدة الغربيون عن عدم رضاهم عن القرار الأمريكي. إذ أكدت بريطانيا أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لم يهزم وما زال موجودا في سوريا. كذلك أكدت باريس التزامها العسكري في سوريا إلى حين هزيمة التنظيم بالكامل، وطرده من آخر الجيوب التي يسيطر عليها في البلاد. ورأت برلين أن الانسحاب الأمريكي قد يضر بالمعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".أما على الطرف المقابل فقد رحبت روسيا بالقرار الأمريكي، إذ اعتبرت الإدارة الروسية أن قرار الانسحاب "صائب"،. وكذلك رحبت الإدارة التركية بقرار سحب القوات الأمريكية من سوريا.
ردت إسرائيل بشكل عملي على قرار الانسحاب ليس بالرفض فقط ، بل نفذت هجمات فورية على مواقع داخل الأراضي السورية. وصرح نتياهو أن إسرائيل لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه أمنها القومي. في المقابل حركت تركيا آلياتها في اتجاه مواقع القوات الأمريكية التي اعلنت واشنطن الانسحاب عنها / ونسقت القوات السورية المعارضة واعلنت المشاركة بجانب القوات التركية. في وقت أعلنت روسيا أن القوات النظامية للحكومة السورية قد دخلت المناطق التي ستنسب منها القوات الأمريكية . الأمر الذي اشعل الحراك العسكري وسط المجموعات المتنافسة في سوريا.
أصبح الوضع على الأرض وفي الداخل الأمريكي مرتبك ، وكأن هناك نزر حرب وشيكة على الأرض ، وزادت الضغوط على ترامب ، الأمر الذي أدى أن يقول ترامب أن الانسحاب سيتم لكن ببطء .وكأنه يريد أن يقول لقد تخليت عن الانسحاب الفوري . ويبدو أن التحرك الإسرائيلي واللوبي داخل الولايات المتحدة  كان له له مفعوله ،أدى لتريس ترامب. وعكست دراسات سريعة تداعيات الانسحاب ، وأظهرت أن الأمر ليس "تنظيم الدولة"ولكن الأمر يتعلق بأمن إسرائيل . فإسرائيل في خطر حال الانسحاب يسد الفراغ آخرين إذا نشبت حرب أو لم تقم . فتناقضات قرارات ترامب لها تفسير أرجح واحد أن القرارات تتخذ بشكل فردي وهي قرارات غير مدروسة ونفعالية ولا يُعول هليها ولا يعتد بها لا على الصعيد الإقليمي والدولي ولا على الصعيد الداخلي.
عموماً أن القرار الأمريكية بالانسحاب من سوريا ، فتح الباب أمام تكهنات وتساؤلات عديدة، يدور معظمها حول مستقبل الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط، خاصة وأن الأوضاع فى سوريا لم تعد مقتصرة فى تداعياتها على الداخل السورى، وإنما امتدت لتصبح مرتبطة بالعديد من الملفات الدولية والإقليمية الأخرى، وعلى رأسها أمن إسرائيل، وهى القضية التى تمثل أولوية أمريكية فى المنطقة المتأججة بالصراعات منذ عقود طويلة من الزمن، بالإضافة إلى قضية النفوذ الإيرانى المتزايد. ولكن يكمن بيت القصيد في التصريح الذي أدلى به السناتور الجمهوري لينزي غراهام إن الرئيس دونالد ترامب طمأنه بشأن خطته لسحب القوات الأمريكية من سوريا والتزامه بهزيمة تنظيم "داعش" خلال اجتماع في البيت الأبيض. وذكر نصاً "تحدثنا بشأن سوريا.. قال لي بعض الأشياء التي لم أكن أعرفها مما جعلني أشعر بالارتياح أكثر إلى ما نفعله في سوريا". إذاً ماهو الفعل الذي اسعده وجعله مرتاحاً.وسبق أن صرح ذات السناتور أن الإنسحاب يمثل خيانة للمقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة والذين يقاتلون التنظيم المتشدد وسيعزز أيضا قدرة إيران على تهديد إسرائيل. وهذا يؤكد بالإضافة لما ذهبنا إليه أن وراء هذا التناقض أمور كثيرة، والعبرة لمن يتعظ بغيره.