د. شمس
الهدى إبراهيم إدريس
تتشابك
الأهداف والمصالح الدولية والإقليمية في سوريا ،فتقاطرت الجيوش لتلك البلاد ،
واصبحت أرض صراع ونزاع استراتيجيات . ما أحدث زخماً وحراك فيه كثير من الشد والجزب
الساسي والتفاعل الدولي، حيث انتقل الحراك
حول سوريا من مجلس الأمن إلى حالة الاستقطاب والتفاهمات السياسية بعد فشل
تحقيق المكاسب من داخل مجلس الأمن باستخدام الفيتو والفيتو المضاد. وصل الأمر في
نهاية المطاف إلى صراع من ثلاثة مجموعات متداخلة المصالح والاستراتيجيات. أولى تلك
المجموعات هي مجموعة الحكومة السورية وحلفاؤها من الروس والإيرانيين من جهة ،
وثانيهاالولايات المتحدة الأمريكية وتركيا من جهة أخرى ، أما المجموعة الثالثة هي
مجموعة هجين بين المجموعتين ، وهي مجموعة تركيا روسيا وإيران. وتلاحظ من خلال تلك
المجموعات أن هنالك عدم إلتقاء بين الولايات المتحدة الأمريكية والمجوعة الأولي ،
وهكذا الحال بين سوريا وتركيا. فتحركات أي مجموعة من تلك المجموعات له انعكاساته
على الأُخريات ، وله تفاعلاته على أرض الواقع .كما يلاحظ تجنب أي من المجموعات
الصدام العسكري المباشر بينها .
كانت
المناطق الشمالية الشرقية من سوريا هي أكثر المناطق تتقاطع فيها المصالح
والاستراتيجيات لأسباب عديدة أهمها أنها
منطقة نفطية ، وهي منطقة حدودية بين تركيا وسوريا ووجود الأكراد المناويين لتركيا
علاوة على وجود مجموعات ال(pkk) التي تصنف من المجموعات الإرهابية . وهذه المجموعات تحظى بدعم
أمريكي وهي تقف بجانب سوريا وضد تركيا ،فيما يوجد الجيش الحر المدعوم من قبل تركيا
والمعارض للحكومة السورية.تركت روسيا وإيران هذه المنطقة للتفاعل بين تركيا
والولايات المتحدة وسوريا كمنطقة لمساومة الحليف الثالث (تركيا) التي تتشابك وتتقاطع
مصاله في مناطق أخرى.هذه التعقيدات والتقاطعات أفرزت وضع في منطقة شمال سوريا له
خصوصيته في الحراك والصراع الدولي والإقليمي في المنطقة. فقرار ترامب بسحب القوات
الأمريكية من المنطقة ترك الأمر لتركيا لخبط احسابات الأطراف والمجموعات الثلاث ،
وكاد الأمر أن يفكك التحالفات والدخول في متاهات عسكرية ربما تصل لتصدام عسكري بين
الجانب التركي الذي يسعى لطرد الأكراد المواليين لأمريكا وسوريا وتسليم المنطقة
لجيش المعارضة السورية (الجيش الحر) لضمات تأمين الحدود التركية من قبل المعارضة،
فيما تسعى سوريا أن تحل محل القوات الأمريكية والمحافظة على القوات الكردية
المتحالفة معها.
لم يقتصر قرار
ترامب بالانسحاب الفوري للقوات الأمريكية
من شمال سوريا على التفاعل الإقليمي والدولي فقط . بل تعداه إلى الداخل
الأمريكي ، حيث أحدث جدلاً كثيفاً وسط
القيادات الأمريكية وصلت لحد تقديم وزير الدفاع الأمريكي (ماتيس) استقالته
من الوزارة ، فيما أحتجت واستنكرت مجموعات وقيادات سياسية هذا القرار كما هو الحال
في أروقة الكونغرس.كما دخل اللوبي
الإسرائيلي على الخط بحسبان أن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا سيمكن المعاديين
لإسرائيل من السيطرة على الوضع في سوريا ، وهذا يعتبر تهديداً مباشراً لإسرائيل.
هذا القرار تعرض إلى رفض مبطن من قبل تل أبيب وطالبت ترامب بالعدول عنه.كما تباين
ردود الأفعال الدولية ، حيث عبر حلفاء الولايات المتحدة الغربيون عن عدم رضاهم عن
القرار الأمريكي. إذ أكدت بريطانيا أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لم يهزم وما زال موجودا في سوريا. كذلك أكدت باريس التزامها
العسكري في سوريا إلى حين هزيمة
التنظيم بالكامل، وطرده من آخر الجيوب التي يسيطر عليها في البلاد. ورأت برلين أن
الانسحاب الأمريكي قد يضر بالمعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".أما على الطرف المقابل فقد رحبت روسيا بالقرار
الأمريكي، إذ اعتبرت الإدارة الروسية أن قرار الانسحاب "صائب"،. وكذلك
رحبت الإدارة التركية بقرار سحب القوات الأمريكية من سوريا.
ردت إسرائيل بشكل
عملي على قرار الانسحاب ليس بالرفض فقط ، بل نفذت هجمات فورية على مواقع داخل
الأراضي السورية. وصرح نتياهو أن إسرائيل لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه أمنها القومي.
في المقابل حركت تركيا آلياتها في اتجاه مواقع القوات الأمريكية التي اعلنت واشنطن
الانسحاب عنها / ونسقت القوات السورية المعارضة واعلنت المشاركة بجانب القوات
التركية. في وقت أعلنت روسيا أن القوات النظامية للحكومة السورية قد دخلت المناطق
التي ستنسب منها القوات الأمريكية . الأمر الذي اشعل الحراك العسكري وسط المجموعات
المتنافسة في سوريا.
أصبح الوضع على
الأرض وفي الداخل الأمريكي مرتبك ، وكأن هناك نزر حرب وشيكة على الأرض ، وزادت
الضغوط على ترامب ، الأمر الذي أدى أن يقول ترامب أن الانسحاب سيتم لكن ببطء
.وكأنه يريد أن يقول لقد تخليت عن الانسحاب الفوري . ويبدو أن التحرك الإسرائيلي
واللوبي داخل الولايات المتحدة كان له له
مفعوله ،أدى لتريس ترامب. وعكست دراسات سريعة تداعيات الانسحاب ، وأظهرت أن الأمر
ليس "تنظيم الدولة"ولكن الأمر يتعلق بأمن إسرائيل . فإسرائيل في خطر حال
الانسحاب يسد الفراغ آخرين إذا نشبت حرب أو لم تقم . فتناقضات قرارات ترامب لها
تفسير أرجح واحد أن القرارات تتخذ بشكل فردي وهي قرارات غير مدروسة ونفعالية ولا
يُعول هليها ولا يعتد بها لا على الصعيد الإقليمي والدولي ولا على الصعيد الداخلي.
عموماً
أن القرار الأمريكية بالانسحاب من سوريا ، فتح الباب أمام تكهنات وتساؤلات عديدة،
يدور معظمها حول مستقبل الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط، خاصة وأن الأوضاع فى
سوريا لم تعد مقتصرة فى تداعياتها على الداخل السورى، وإنما امتدت لتصبح مرتبطة
بالعديد من الملفات الدولية والإقليمية الأخرى، وعلى رأسها أمن إسرائيل، وهى
القضية التى تمثل أولوية أمريكية فى المنطقة المتأججة بالصراعات منذ عقود طويلة من
الزمن، بالإضافة إلى قضية النفوذ الإيرانى المتزايد. ولكن يكمن بيت القصيد في
التصريح الذي أدلى به السناتور الجمهوري لينزي غراهام إن الرئيس دونالد ترامب
طمأنه بشأن خطته لسحب القوات الأمريكية من سوريا والتزامه بهزيمة تنظيم "داعش" خلال اجتماع في البيت الأبيض. وذكر نصاً "تحدثنا بشأن سوريا.. قال لي بعض الأشياء التي
لم أكن أعرفها مما جعلني أشعر بالارتياح أكثر إلى ما نفعله في سوريا".
إذاً ماهو الفعل الذي اسعده وجعله مرتاحاً.وسبق أن صرح ذات السناتور أن الإنسحاب يمثل
خيانة للمقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة والذين يقاتلون التنظيم
المتشدد وسيعزز أيضا قدرة إيران على تهديد إسرائيل. وهذا يؤكد بالإضافة لما ذهبنا إليه أن وراء هذا التناقض أمور كثيرة،
والعبرة لمن يتعظ بغيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق