بسم الله الرحمن الرحيم
بين الأيدولوجيات والجهويات
توقعات الانتخابات القادمة في السودان
مقدمة
تحدد الأيدولوجيات والجهويات كثير من المسارات السياسية.لاسيما تأثيراتها في نتائج الانتخابات الديمقراطية الخمس التي مرت على السودان.وتعني هنا بالأيدولوجية الدينية والدنيوية التي بعض القناعات للشخص ،أي كانت تلك القناعات.أما الجهويات تعني الولاءات الدينية والقبلية والمناطقية والعرقية.فالسودان بلد متعدد الأيدولوجيات والجهويات كان لها الأثر الواضع في مكونات المسرح والمشهد السياسي وسير العملية السياسية في السودان. وبالتالي أثر على سير ونتائج العملية الانتخابية التي صاحبت الفترات الديمقراطية. ويتوقع أن يكون لها الأثر الأكبر في الانتخابات القادمة في ظل التغير الكبير في الفواعل والمكونات السياسية. خاصة تأتي الفترة الديمقراطية في ظروف وتداعيات مختلفة ومعقدة سياسياً واجتماعياً وسياسياً.وصراعات واستراتيجيات إقليمية ودولية، تحتاج إلى رؤى وأفكارجديدة للعمل السياسي والحزبي عقب انقطاع دام لأكثر من ثلاثون عاماً.
يرجع مسمى التكوينات السياسية للفئات المجتمعية الفاعلة في النشاط السياسي. فالسودان ملئ بتلك المكونات وعلى رأسها الأحزاب السياسية. التي تشمل الأحزاب بكل مسمياتها التقليدية منها والحديثة، فالأحزاب التقليدية كحزب الأمة الذي يمثل الزراع السياسي لطائفة الأنصار والأحزاب الاتحادية التي تمثل طائفة الختمية. كما نجد الأحزاب الأيدولوجية، كحزب الجبهة الإسلامية، والحزب الشيوعي ، وأحزاب اليسار الأخرى. علاوة على الأحزاب الجهوية والأحزاب المناطقية .بالإضافة لمنظمات المجتمع المدني وعلى رأسها النقابات، والطلاب والاتحادات المهنية.
القسم الأول
المكونات السياسية في انتخابات1964 وانتخابات 1986
بالرجوع للديمقراطية الثانية التي اعقبت أكتوبر نلاحظ أنها صعدت من الأيدولوجيات والجهويات برفضها الحكم الإقليمي الذي ضمن كتوصية من توصيات لجنة الأثني عشر التي أعقبت مؤتمر الدائرة المستديرة التي أوصت بتضمين الحكم الإقليمي في الدستور. فقد توحدت أحزاب سانو وجبهة الجنوب ومؤتمر البجا واتحاد جبال النوبة حول هذا المطلب.في وقت أعتبرت الأحزاب الحاكمة أن هذا الاتجاه نزعة عنصرية، ووصفت ذلك التجمع بالعنصري، واسقطت ذلك من مشروع دستور السودان 1964م. الأمر الذي أدخل مصطلح التهميش في القاموس السياسي السوداني. ترادف ذلك صراع أيدولوجي بين الأحزاب الحاكمة (الأمة والاتحادي) مع الحزب الشيوعي ، مع تنامي دور حركة الأخوان المسلمين في المجتمع.كما شهدة تلك الفترة حل الحزب الشيوعي السوداني وتم اقصاءة من المشهد السياسي رغم وجوده الفاعل في المسرح السياسي.كما تصاعدت اصراعات بين مكونات الحكومة نفسها.
تمكن حزب الأمة من الفوز في (93) دائرة جغرافية، ونال الاتحادي الديمقراطي (71)دائرة جغرافية، وإثنين من دوائر الخريجين.والمستقلون (18) دائرة ، وكتلة جبال النوبة (10) مقاعد ، وجبهة الميثاق الاسلامي(ثلاثة مقاعد جغرافية ومقعدين خريجين)، ومؤتمر البجا(10) مقاعد والحزب الشيوعي(11) من مقاعد الخريجين. ومن هذا التشكيل برزت التكتلات الجهوية والمناطقية في الجمعية التأسيسية.
جاءت انتخابات 1986 (الديمقراطية الثالثة)، في بيئة تتجازبها المكونات السياسية، عقب حكم عسكري استمر لفترة ستة عشر عاماً لم يفسح المجال لأي مكون سياسي أن يمارس العمل السياسي إلا عبر التنظيم الأوحد(الاتحاد الاشتراكي السوداني). وشاركت أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية القومية ، والحزب القمي السوداني، وحزب البحث العربي الإشتراكي، والمؤتمر السوداني الأفريقي والحزب الشيوعي السوداني.
رغم دخول قوى سياسية جديدة معترك السباق الانتخابي ولكنها حضعت جزئياً للعوامل التقليدية المتمثلة في الجهوية والأيدولوجية والمناطقية، ولم تؤثر تبنيها قضايا المجتمع في سير العملية الانتخابية كثيراً ولكنها أثرت في نتائجها.مع ملاحظة فاق معدل التصويت مقارنة مع الانتخابات البرلمانية السابقة.
دخلت الأحزاب السياسية انتخايات 1986 فاقدة لذاكرتها السياسية. فكان الصراع على أشده بين المكونات السياسية، مابين كنس آثار مايو ، وإلغاء قوانين الشريعة التي اسنها نظام مايو بالتوافق مع الحركة الاسلامية. في ظل التغابن ما بين الأنصار والحزب الشيوعي نتيجة أحداث الجزيرة أبا وبيت الضيافة إبان التوافق بين حكومة مايو وأحزاب اليسار بقيادة الحزب الشيوعي وأحزاب البعث والناصريين. كما تعج الساحة السياسية بالأخزاب الجهوية والمناطقية كأحزاب الجنوب والبجا وجبال النوبة. في ظل هذا التوتر والانقسامات والتجاذبات والإقصاءات التي كانت السمة الأبرز خلال الفترة الانتقالية،جاءت نتيجة الانتخابات عكس التوقعات.وكانت المفاجأة للمكونات السياسية أن فازت الجبهة الإسلامية القومية بكل مقاعد الخريجيين في السودان ، بالإضافة لأغلب الدوائر الجغرافية بالعاصمة السودانية.في وقت لم تفز أحزاب اليسار والناصريين وأحزاب البحث بأي دائرة جغرافية ، مع انتقاص عدد دوائر الحزبين التقليديين.
خيمت تداعيات تلك النتائج على المشهد السياسي. فتصاعدت الصراعات بين الأحزاب الأيدولوجية.الأمر الذي زاد من حدة الصراعات الجهوية، وانتقل الأمر للنقابات والاتحادات الطلابية والمهنية ، رغم أن الجهاز التنفيذي من منظمات المجتمع المدني والاتحادات والنقابات. فأفرز ذلك وضع سياسي وبيئة سياسية واجتماعية مأزومة.
أفرزت تلك الانتخابات مؤشرات الصراع الأيدولوجي والجهوي، وحدة استقطاب مرتكز على تلك المؤشرات.وأهم تلك المؤشرات تتمثل في الأتي:
بداية العد التنازلي للأحزاب التقليدية(الأمة والاتحادي)، وانحسارها.
تصاعد التيار الإسلامي كقوة حديثة ممثلة في الجبهة الإسلامية.
ضمور المد الشيوعي والناصري والبعثي وسط المجتمع السوداني.
إزدياد دور الجهوية والأثنية والمناطقية وأثره الواضح في الأحزاب التقليدية.
عدم الرضا الجماهيري داخل الأحزاب التقليدية ، وذلك من خلال عدم تقيد قادة الأحزاب التقليدية بتوجيهات زعيم الحزب بالترشح وعدمه ، ويظهر ذلك في ترشح أكثر من شحص من حزب واحد في دائرة انتخابية واحدة.
القسم الثاني
البيئة السياسية عقب ثورة ديسمبر 2018
جاءت الفترة الانتقالية عقب ثورة ديسمبر تحمل في طياتها كثير من المتغيرات السياسية والإقتصادية والاجتماعية.ومختلفة تماماً عن الفترات الانتقالية التي عقب ثورات وانتفاضات أكتوبر1964، وأبريل 1985م. فالحاضنة السياسية ليست هي الحاضنة السياسية ، وإن اشتركت فيها ذات المكونات السياسية التي كانت في أكتوبر وأبريل.حيث كانت هنالك مكونات سياسية متفقة على الحد الأدنى في الرؤى والافكار حول بناء الدول والتحول الديمقراطي بمشاركة كل القوى والمكونات السياسية، وحكومة تنفيذية كاملة قوامها الاتحادات والنقابات بكل تشكيلاتها، ومجلس عسكري انتقالي متجانس ، مع قصر المرحلة الانتقالية التي تفسح المجال للمناكفات وصراع الأيدولوجيات والجهوات أن تؤثر على النسيج الاجتماعي وتقصير ظل الاقصاء السياسي كما هو الحال في الفترة الانتقالية الحالية التي أظهرت وصعدت من حدة الصراعات بين مكونات الحاضنة السياسية نفسها ، علاوة على التنافر والتباعد والصراع الخفي والمعلن بين الحاضنة السياسية والقوى والمكونات الداعمة والمساندة والحاكمة في النظام السابق الذي اسقطته الثورة في ديسمبر 2019. فالاختلاف الجهوي والمناطقي قد ارتبط بالتشكيل القبلي والتوظيف السياسي، ولعبت الجهويات والإيدولوجيات دوراً بارزاً في تشكيل المشهد السياسي الماثل. فغابت العوامل التي يمكن أن تساعد في انجاح الانتقال السياسي ، وتطبيق مخرجات عملية التغيير السياسي المطلوب على أرض الواقع. ويتوقف ذلك بدوره على نجاح التيارات المتصارعة المكونة للحاضنة السياسية في تكوين أرضية مشتركة حول بناء الموسسات التي تكون أرضية التحول الديمقراطي ،مع السمو فوق المصالح الخاصة، والارتقاء لمرحلة التوافق الوطني، وفق العدالة الانتقالية ، وصولاً للدولة المدنية التي تنتج الحكومة المدنية.
أوضاع المكونات السياسية للانتخابات القادمة
تتكون الساحة السياسية للانتخابات القادمة من متناقضات فكرية وأيدولوجية وجهوية حادة. ستؤثر حتماً في سير ونتيجة الانتخابات القادمة لاستحقاق الديمقراطية الرابعة في السودان، وهي كما يلي:
تحالف قوى الاجماع الوطني هو تحالف مكون من ايدولوجيات محتلفة وربما متناقضة لانها ضمنت احزاب يمينية ويسارية والقوميين والاشتراكيين بتوجهاتهم المختلفة
قوى نداء السودان وهو تجمع أكبر الاحزاب متناقضة أيدولوجياً جمعتها مصالح بهدف الاطاحة بالنظام السابق . ويتكون ذلك التجمع من حزب الامة والمؤتمر السوداني والحركة الشعبية شمال وحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان مناوي والاتحادي التوم هجو.
تحالف قوى الحرية والتغيير هو تحالف جمع تناقض التحالفين السابقين ويواجهة مقاومة من المهنيين وهو يحملون الفكر الشيوعي (اسم لواجهات الحزب الشيوعي السياسية).
الموتمر الوطني وأحزابة المتعددة والصغيرة التي تمثل بعض الجماعات ( أحزاب التوالي).
الحركة الشعبية الحلو وحركة عبدالواحد نور.
فالمخاطر التحديات التي تواجه الانتخابات القادمة هو التشكيل المتشعب للمكونات السياسية اعلاة وتقاطعاتها. يمكن قراءة المشهد السياسي القادم وصراعاته المحتملة ، بالإضافة للتحديات الأخرى ، ممثلة في بناء الدولة بعد التغيير السياسي. وأهم تلك التحديات العدالة الانتقالية والتحدي الأمني ، وصياغة الدستور، والتحول نحو الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ، وتحدي تخطي الثقافة السياسية الرافضة للأخر.
القسم الثالث
توقعات وسيناريوهات للانتخابات القادمة
وتعتبر الانتخابات القادمة هي السادسة ويتوقع أن تطرح قوى سياسية جديدة نفسها في تلك الانتخابات . وتأتي في وضع بالغ التعقيد.عقب فترة انتقالية شكلت وجدان الشعب السوداني. وتحتاج أن تؤسس لتجربة ديمقلراطية تتفادى بها عسرات التجارب السابقة.رغم انها فترة ابتعدت عنها مكونات سياسية كانت فاعلة وصاعدة في أخر انتخابات ديمقراطية.
توقعات عن التكوين الحزبي
غياب الديمقراطية والتوافق الوطني لثلاثة عقود، شكل هوة بين الممارسة وتطلعات المكونات السياسية للمجتمع السوداني. لذلك من الصعب إفراز نخب سياسية قادرة على تحقيق التوافق والانسجام السياسي على أرضية مشتركة. وهو تحدي بناء الدولة السودانية. وتأتي توقعات التكوين الحزبي من خلال المؤشرات التي أفرزتها الفترة الانتقالية والتي يمكن أن تؤثر على الانتخابات القادمة، واهم تلك المؤشرات كما يلي:
تراجع مؤشرات الانتماء الوطني لمصالح قبلية وجهوية وطائفية وأيدولوجية ومذهبية. وتشرزم مكونات المجتمع وصراعه لصالح الأيدولوجيات والجهويات.
قاد تراجع الانتماء الوطني إلى أن وصل الأمر لتمرد على النظام الحاكم، ومن ثم استنزاف الموارد البشرية والمادية .ممثلة في الصراعات والاقتتال القبلي كما هو الحال في شرق وغرب السودان.
تبني انماط ثقافية بعيدة عن التراث الديني والاجتماعي لها تأثيراتها على اتجاهات الناخبين.
التميز بين الانتماء الحزبي والقبلي والجهوي والأيدولوجي قاد للبحث عن تكتلات يرونها تحقق لهم مستوى من الأمان، حيث ذهب البعض لتكتلات حزبية أو جماعات سياسية أو جهوية أو أيدولوجية، مما يصعد الصراع.
إن الصراع بين الأيدولوجيات في السودان(التيار الإسلامي والتيار اليساري) مع ضعف الأحزاب التقليدية(الأنصار والختمية) أدى إلى الانتقال ونماء الاتجاه الجهوي والقبلي والمناطقي.
تنامي مصطلح المركز والهامش مع تدني المنظومة القبلية ، هذا زاد بدوره الأحقاد لدى بعض المجموعات.
إن المفردات والمصطلحات المتعلقة بالهامش والتهميش تحاول أن تعطي مسألة التنوع ومسألة الاختلاف في التنمية الاجتماعية والاقتصادية أبعاداً ثقافية. الأمر الذي أدى إلى إحداث قدر من التغيير في طبيعة الصراع من صراع لشعب بكامله مع القوة التي تدير الدولة (السلطة) إلى صراع بين مكونات المجتمع، ومن ثم تتأذى بعض المكونات الاجتماعية من تلك المواقف المبتية على ردود الأفعال المرتكزة على التنميط والتعميم.
السيناريوهات المتوقعة
أن تؤثر الجهويات والأيدولوجيات على الانتخايات القادمة من خلال ظهور تشكيلات سياسية جديدة ، حيث يغلب الانتماء الإجباري للفرد في نتيجة الانتخابات.
التوقع الأقوى أن تفوز الاحزاب التقليدية (الأمة والاتحادي) بغالبية المقاعد بشرط أن تتجمع الفصائل المنشقة منها في الحزب الأم. مع ظهور التيار الإسلامي على المشهد السياسي ويفوز بعدد من المقاعد الانتخابية.علاوة على بعض الاحزاب المناطقية.
كما يتوقع أن تنضم الحركات الموقعة على سلام (جوبا) للاحزاب الكبيرة ولا يتوقع أن تخوض الانتخابات بفردها.
يتوقع استمرار أحزاب اليسار في الانحسار، ولكنها ربما تفوز في بعض دوائر الخريجين ، ويكون لها وجود في الاتحادات والنقابات المهنية.
فرص نجاح التنظيمات السياسية
إن المشكلات التي تحدث للمجتمعات الانسانية حينما تتشكل رؤية دينية أو دنيوية أن من حق القائمين على هذه الرؤية امتلاك هذا الحق، وبالتلي التعدي الأيدولوجي على أحد حقوق الانسان الأساسية تحت تبريرات معينة قد يقتنع بها الإنسان ضمن ظرف محدد أو قناعة ايدولوجية ثابتة.إلا أن أي تحول يصيب الانسان، سيلتفت إلى هذا الحق المنزوع وسيعمل على إعادة هذا الحق.وبالتالي يتحرر الإنسان من تلك الأيدولوجية.والانسان حينما تقضبه السياسة أو الأوضاع الاقتصادية أو أي شيء أخر فهو يضحي بنفسه بوصف أن هذه التضحية هي التي ستحرر المجتمع الذي انتمى إليه من كل القيود والإغلال التي تفرضها الأوضاع والظروف السياسية والاقتصادية. وبالتالي يتحرر من الأيدولوجية أي كانت.وهذا بدوره يقود بعض فئات المجتمع أن تتجه للجهويات والاثيات والاحتماء بها، تفادياً للتهميش السياسي من قبل القادة السياسيين وزاعامات القوى السياسية المختلفة.وبالتالي تجاوز المكونات السياسية للمشهد السياسي .ومن هنا يمكن أن نتوقع السياريوهات الانتخابات القادمة ، ودور الأيدولوجيات والجهويات في سيرها ونتائجها. ودورها المتوقع في نجاح أوفشل الانتخابات القادمة، المتاريس والعقبات المتوقعة التي تعترض العملية الانتخابية للعبور إلى تجربة ديمقراطية رابعة.
توصيات ومطلوبات
التغيير الاجتماعي مرتبط بثقافة المجتمع السائدة وهو أكبر تحدي يواجه التجربة الديمقراطية والانتحابات القادمة.نتيجة مقاومة الأفراد والتنظيمات السياسية والاجتماعية التي تخشى على مصالحها كالمكانة الاجتماعية والامتيازات الاقتصادية نتيجة التجديد والتغيير. فقد تقاوم الاحزاب السياسية إنشاء احزاب جديدة حتى لا بنقص عدد المنتسبين إليها، وحتى لا تتفرق أصوات الناخبين أثناء عملية الانتخابات. بالإضافة للتماسك القبلي والجهوي والأيدولوجي في المجتمع السوداني المتمسك بالتقليدية. علاوة على المشكلات الجديدة نتيجة العولمة ، وثورة الاتصالات التي أزالت القيود والحواجز وخصمت كثيراً من القيم المجتمعية.
إن المجتمع الناجح يصنع دولة ناجحة، وبناء المجتمع وال\دولة بيدأ من خلال التأكيد على أهمية توازن المجتمع واعتداله وابتعادة عن التطرف والعنف في الفكر والسلوك، وعندما يغيب السلوك الوسط يعيش المجتمع حالتين متناقضتين أم حكم تسلطي أو عنف مجتمعي تحكمه الجهويات والأيدولوجيات.فقدرة النظام السياسي على التكيف من خلال التعامل مع الأزمات بطريقة ناجحة وادارة الصراعات داخل المجتمع بطريقة تمكنه من السيطرة والتحكم بعيداً عن العنف ومسنداً للشرعية السياسية التي تحققها الانتخابات.وهذا يتطلب زرع الثقة والتنافس الايجابي الذي ينتجه الحوار المفتوح مع الجميع، والبحث الجاد عن نقاط التلاقي مع التيارات الفكرية والسياسية على المسرح السياسي.
اذا المطلوب حوار سياسي جاد يضع اسس استراتيجية يحتكم اليها الجميع على ان يكون كسب اي كيان او حزب سياسي ما يقدره الشعب السوداني عبر صناديق انتخابات في نهاية المطاف, وهذا يقود الى ان الحوار اولوية في الوقت الراهن وليس الانتخابات باعتبارها مرحلة لاحقة بعد التوافق السياسي حول الدستور والاستراتيجية المتف عليها من قبل كل القوى السياسية لوضع استقرار سياسي مستدام.
الخطوة المهمة للتعددية هي الحوار الوطني لكل مكونات المجتمع السوداني من احزاب وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني, مما يفضي الي توافق سياسي ليس فيه غالب ولا مغلوب ولكنه يراعي مصالح الجميع.
ان الهوية الواسعة التي يحتاجها السودان هي الهويه التي تعبر عن المشترك الاكبر في الانتماء وهو الهوية الوطنية التي تنتمي الي جغرافية وتاريخ ومصالح مشتركة, لا هوية التمحور حول نطاق ضيق مثل الهوية القومية او الهوية الدينية او الهوية العرقية او الطائفية او الهوية السياسية, وان الهوية تقود الي مفهوم المواطنة, وتعني العضوية الكاملة التي نتشأ كعلاقة بين الفرد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنة تلك العلاقة من واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن البلد, وما تمنحه من حقوق كالتصويت وتوالي المناصب العامة في الدولة.
ان للمجتمع المدني تكوينات مختلفة ومتنافسة وفي بعض الاحيان متناقضة في رؤاها ومصالحها ومواقفها بقدر ماهي متفاوتة في مستوياتها وتنظيمها وحجمها ولا يمكن ان تكون على مستوى متساو من الرضا تجاه الدولة وسياساتها ولكنها تتفق في انها ليست مؤسسات دولة ولها الحرية في التكوين والتحر وفق مايراه مكونها.
وتتراوح مؤسسات المجتمع في درجات مستوياتها وتنظيمها ورسميتها ولكنها في كل الاحوال تظل مستقلة لدرجة كبيرة عن الحكومة, فالدولة تتكون من المجتمع السياسي والمجتمع المدني, ان الاولوية للمجتمع المدني. وعلى المجتمع تغيير النظام السياسي وهذا لايعني تحقيق الثورة ولكن تغيير مفاهيم المجتمع المدني لتحقيق الثورة. وهذه النقطة هي سر تقلب الممارسة السياسية في السودان بين حكومات منتخبة الي حكومات عسكرية وذلك نتيجة لعدم حدوث تغير وانقلاب مجتمع حقيقي.
ان وظيفة الدولة هي تأسيس المجتمع المدني ولا يمكن تأسيس مجتمع مدني بلا دولة.
ان المجتمع المدني هو مجموعة من التنظيمات الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة وان الممارسة السياسية تتم عبر مؤسسات المجتمع المدني وقيام هذه المؤسسات جزء من الديمقراطية نفسها وبممارسة الحقوق الديمقراطية تنشأ مؤسسات المجتمع المدني وتتغلغل في جسم المجتمع.ويعد المجتمع المدني من القواعد الرئيسية في اي نظام تعددي بحكم انه هو الذي يعبر عن تطلعات الرأي العام ولا تستطيع ان تقوم منظمات المجتمع المدني بدورها اذا دارت في فلك التنظيمات السياسية ولكن تكون لها المقدرة على بناء تحالفات مع التنظيمات السياسية لتحدث الانتقال من مجرد حراك سياسي الي تحول ديمقراطي حقيقي وهي التي تقيد السلطة الحاكمة بخطوات التحول الديمقراطي.
ان الاحزاب السيلسية هي المؤسسات المناط بها رفد القيادة السياسية بالكفاءة وتنمية الوعي السياسي لديهم واجتذابها من دائرة السلبية الايجابية وتعزيز روح المشاركة السياسية لديهم. وبالتالي فان وضع الاحزاب السياسية من حيث القوة والضعف ينعكس بشكل سلبي على البناء السياسي برمته فكلما تماسكت الاحزاب ولعبت ادوار اكبر في المجتمع كلما تعززت المشاركة السياسية وقوى البناء السياسي.
المعالجات والتوصيات
اتاحة مساحة كافية للتنوع الثقافي والعرقي أن تنداح بشكل تلقائي خاصة عبر الأوعية الثقافية والاجتماعية، والبعد عن معالجة المشاكل عن الزاوية السياسية والعسكرية.
عدم فرض احادية عرقية أو دينية لتفادي اللوبيات الداخلية والخارجية التي تؤجج الصراع وتعقد قضاياه.
احكام المكونات السياسية إلى صيغة من صيغ النظام السياسي الديمقراطي ، وتمارس القوى السياسية سياسة قومية بعيداً عن الجهوية والقبلية والأيدولوجية، وأن تكون الأحزاب قومية في عضويتها ومكوناتها وخطابها السياسي يبتعد عن خطاب الهامش والمركز.
النظر بعين الاعتبار أن الجهويات والأيدولوجيات قد تقود إلى عدم تقبل شرعية الحكم وعدم الرضا، وتكون هناك قاعدة عريضة والمجتمع تفتقد للثقافة السياسية، وبالتالي تعوق أن تكون الدولة مرآة لتوازن قوى المجتمع وتهئ المسرح لنزاعات متعصبة ومتخاصمة بداخله. الأمر الذي يوسع قاعدة عدم الشرعية عبر الديمقراطية والتوازن.
أن تكون الثقافة السياسية الوطنية مرجعاً للتنمية، حيث تكون التعدديات والتنوعات منخرطة في التنمية ومومنة بأهدافها ومشاركة فيها بايجابية ، الامر الذي يطور الثقافة السياسية الوطنية. وهذه مطلوبات يجب على المكونات السياسية أن تقوم بها وتتبناها الدولة.
تشجيع التسامح الديني والعرقي واجراء حوارات مشتركة تؤسس لعلاقات متصالحة بين الأيدولوجيات والجهويات.
طالما تصاعد دور الأيدولوجيات والجهويات داخل المجتمع، وقاد ذلك إلى حالة متجددة من الفرز القبلي والجهوي والعقدي والعنصري، مما حال دون التغيرات الحقيقية الايجابية في مختلف المجالات.يتطلب ذلك إعادة تشكيل العقل الجمعي لمختلف المكونات السياسية والاجتماعية للحيلولة دون توظيف ذلك سياسياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق