الأربعاء، 12 فبراير 2020


قراءة استشرافية للتحالف الأمريكي العربي
د.د.شمس الهدى إبراهيم إدريس
إن المتتبع للتحركات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط في عهد ترامب ، يلاحظ أن السمة الأبرز والأساسية لتلك التحركات هي الهرولة والإرتباك والإرباك السياسي. وكثرت التحالفات والمواقف المتناقضة. والنفاق السياسي.واستجلاء للموقف ومآلاته نتناول التحالف الأمريكي العربي الذي بشر به ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 2018. وجاء في الخطاب " أن بلاده تتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن لإقامة تحالف استراتيجي لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة" . فيما سار وزير الخارجية الأمريكي على ذات المنوال ، ولكنه كشف عن أن المهدد الحقيقي الذي يستهدفه التحالف هو إيران.حيث دعا وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"  في اجتماع مع وزراء خارجية  الدول العربية المعنية بالأمر علي هامش جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ، وخرج عن الإجتماع بيان أشار إلي أن وزراء الخارجية اشتركوا في نقاش إيجابي حول إنشاء تحالف استراتيجي شرق أوسطي ، يستهدف تحقيق الرخاء وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة. ثم جاء ” مايك بومبيو ” في زيارته الأخيرة لمصر وخلال الكلمة التي ألقاها في حرم الجامعة الأمريكية بالقاهرة ليجدد الدعوة لتشكيل تحالف عربي أمني عسكري مكون من دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة لمصر والأردن يكون هدفه محاصرة طهران والوقوف ضد توسعها الإقليمي .وسبق إجتماع بومبيو مع وزراء تلك الدول لقد صرح مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الخليج "تيم ليندر كينج "لإحدي الصحف بأن المهام الرئيسية لهذا التحالف ستتمثل في إدارة الأزمات في سوريا واليمن ومواجهة التمدد والنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.
هذه التصريحات قد خلقت نوعاً من الهرجلة السياسية وغموضاً في موقف المتحالفين من الهدف الحقيقي وراء هذا التحالف. باعتبار أن تجارب التحالفات السابقة لم تحقق الغرض من التحالفات عبر التاريخ ، تلك التحالفات التي كان أطرافها القوى الفاعلة في المنطقة والخاسر الوحيد هو الدول العربية والإسلامية التي تهرول الولايات المتحدة أن تنشئ تحالف عسكري معها . وكان هنالك سؤال يدور في أذهان القادة العرب ، هو هل واشنطن في حاجة لتحالف لتحقيق الاستقرار والدخول في حرب مع إيران؟. وما هو هدف التحالفات القديمية قبل أن تكون إيران مهدد للسلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط؟. وكن فكرة التحالفات قديمية تريد من خلالها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة والنفوذ. وهو الهدف الحقيقي من وراء التحالفات هنا وهناك.
استجلاءًً للمشهد نلحظ  أنه بعد إعلان بريطانيا عزمها علي الإنسحاب من الخليج عام 1967 ، صرحيورجن روستو ” وكيل الخارجية الأمريكية في فبراير 1969 أن بلاده تسعي لإنشاء تكتل أمني يشمل تركيا وإيران وباكستان والسعودية والكويت ، لحفظ الأمن ضد التهديدات السوفيتية واليسارية . وحينها قُوبلت الفكرة بالرفض من قبل معظم الأطراف المعنية ، ولكن الفكرة لم تمت وأعقب ذلك زيادة في التمدد الأمريكي داخل المنطقة والتورط في صراعاتها ، وعادت فكرة الإعتماد علي الحلفاء الإقليميين للظهور بقوة في 2015 عندما دعا الجنرال مايكل فلين رئيس وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية السابق امام احدي لجان الكونجرس إلي ضرورة إنشاء هيكل دفاعي عربي شبيه بحلف الناتو لمواجهة ايران. وفي عامي 2016و2017، ترددت فكرة إنشاء ناتو عربي في مطبوعات مركز لندن للدراسات الاستراتيجية وهو مركز للأبحاث في واشنطن, وكان من أبرزها دراسة للجنرال فلين عن مشروع الناتو العربي, وجدير بالذكر أن الرئيس دونالد ترامب عينه لعدة أسابيع مستشارًا للأمن القومي.
هل تنجح التحالفات العربيةالعسكرية في المنطقة
لم تكن فكرة التحالفات العسكرية العربية وليدة اللحظة بل هي فكرة تعود إلي ما قبل 1950 .شهدت المنطقة العربية والإسلامية تحلفات عسكرية متعددة كان بعضها له أهداف استراتيجية والبعض الآخر له أهداف وقتية حققت القليل من أهدافها ، فيما فشلت معظمها. ومن أمثلتها :
1.         معاهدة الدفاع العربي المشترك : التي تم توقيعها بين دول الجامعة العربية في 1950 .
2.       منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط : وهو أحد الأحلاف التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في عام 1955 ، حيث تم انشاءه لمواجهة المد الشيوعي ، وكان يتكون إلي جانب بريطانيا من تركيا وإيران وباكستان والعراق .
3.      قوات حلف الجزيرة المشتركة : وهي قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي وتم إنشائها عام 1982. بهدف حماية امن الدول الاعضاء مجلس التعاون الخليجي وردع أي عدوان عسكري عليها .
4.        تشكل تحالف 1991 كان هدفه إخراج القوات العراقية من الكويت ، وسميت هذه الحرب حينها ” حرب تحرير الكويت ” ، وانضمن الدول العربية إلي هذا الحلف ماعدا الأردن ، واتخذت الولايات المتحدة السعودية مقرا للعمليات .
5.      حرب أكتوبر 1973 التي تُعتبر نموذج للتحالف العربي ” غير الرسميحيث شهدت الحرب تضامن ومساهمات عسكرية من العديد من الدول العربية .
لم يكتب لهذه التحالفات الاستمرار والنجاح ولم تحقق أهدافها التي أُنشأت من أجلها. ومرد ذلك لخلافات من دول ذلك التحالف في الدور والأنصبة. علاوة على عدم رضاء الدول الكبرى المسيطرة التي لم تلق نصيباً يحقق لها طوحها وسيطرتها من خلال تلك التحالفات . كما تسعت لعدم تطورها إذا رأت أنها تحقق قوة ومقدرة لدول هذا التحالف أوذاك. رغم نجاحها  في تحقيق بعض الأهداف التكتيكية لمساعدة بعض الدول كما هو الحال في حرب أكتوبر في مصر على سبيل المثال .
أما التحالف العسكري (عاصفة الحزم) وهو أكثر التحالفات تماسكاً . وإن كان لم يحقق أهدافة المعلنة ، ولكن أسس لتحالف ربما يكون نواة لتحالف عربي إسلامي دون مشاركة واضحة من الدول الغربية. ولكن تعترضه بعض المشاكل ، تتمثل في تباين الرؤى بين مكوناته الأولي  عندما انسحبت عدد من الدول من التحالف ، وعدم وضوح الدور الأمريكي من الخصام بين قطر من جهة  والسعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى. علاوة على الصراع في الداخل الأمريكي بين البيت الأبيض والكنغرس فيما يخص دور التحالف في اليمن . وأصبح موضوع اليمن مادة صراع لتصفية حسابات بين الجمهوريين والديمقراطيين.
أما التحالف الأمريكي العربي هناك العديد من التقاطعات التي تعترض مساره وتكوينهأ وأهمها تعارض الرؤى والأفكار بين التوجهات والسياسات بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي أصبح لا وجود له فعلس على أرض الواقع . فهنالك خصومة بين قطر وثلاث دول من مجلس التعاون الخليجي ، هذا بالإضافة إلي سلطنة عمان التي تسلك منهجا مستقلا في سياستها الخارجية، فلم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع العراق إبان حربها ضد ايران ، ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع ايران وقامت بدور الوساطة وترتيب مباحثات سرية بين أمريكا وإيران قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015 ، وقطر احتفظت بعلاقات جيدة مع إيران   ، رغم الضغوطات الخليجية عليها لقطع العلاقات معها. كما أن لبعض دول الخليج العربي لها مصالح إقتصادية مشنركة مع إيران وبعض دول المنطقة خارج التحالف. في ظل تجاهل الولايات المتحدة الصراع العربي الإسرائيلي ، ومحاولة واشنطن تحول مجرى الصراع من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع عربي إيراني وجعله هو الصراع الأساسي وصاحب الأولوية ، مما سيؤدي إلي تخفيف تكلفة الدور الأمريكي في المنطقة وتأمين مصالح الولايات المتحدة وحليفها الاستراتيجي إسرائيل . ومن أهم الاعتراضات التي تواجه هذا التحالف العربي الأمريكي المقترح هو أزمة المصداقية التي تعانيها إدارة ترامب جراء تناقضات مواقف الإدارة الأمريكية. وليس هجوم ترامب على حلف الناتو الأصلي  وشركاؤه الأوروبين. بحجة عدم الوفاء بالتزاماتهم فى زيادة ميزانيات الدفاع وحجم مساهمتهم المالية فى الحلف, والأكثر من ذلك هو تشكيك ترامب نفسه فى قدرة الناتو على مواجهة التحديات الأمنية على مستوى العالم, ما أدى من وجهة نظره إلى إخفاقه فى تسوية النزاعات  .
يقول مستقبل التحالف المزمع إنشاؤه . هو تحالف الهدف من وراءه شغل الدول العربية والإسلامية عن قضاياها الحقيقية ، والإبقاء على المنطقة في حالة فزاعة دائمة وسوقاً رائجة للسلاح والإبتزاز السياسي والإقتصادي، و تثبيت مشروعات التطور بما يضمن مصالح وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية وحفظ أمن وسلامة حليفها الاستراتيجي في المنطقة (إسرائيل). كما يدخل في إطار حماية المصالح الأمريكية دون أن تدخل أمريكا في حروب مباشرة جديدة، استناداً لمبدأ "أمريكا أولاً". ويؤشر هذا الوضع إلى أن مستقبل المنطقة مزيداً من الإنقسامات ، ومزيداً من التفكك وسط الدول العربية الإسلامية،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق