الجمعة، 31 يناير 2020


ثقافة ديمقراطية
لنظام سياسي مستقر ومستدام (1)
الدكتاتورية العسكرية والدكتاتورية المدنية
إن حيوية الديمقراطية تنبع من قدرتها على التطور والتكيف مع الظروف المتغيرة وليس النصوص الجامدة. فنجاح المنهج الديمقراطي في بلد ما ليس بالضرورة تطبيقة يحقق ذات النجاح في بلدٍ آخر.ولتطبيق الديمقراطية هناك صورة مختلفة وفق الظرروف التاريخية وأوضاع المجتمعات التي تطبق فيها وتكويناتها الاجتماعية والسياسية.
التاريخ يحكي!
تاريخياً مرت على السودان ثلاثة فترات حكم ديمقراطي والأن هو في مرحلة إنتقال ديمقراطي رابعة.ارتبطت ممارسة الديمقراطية تاريخياً في السودان بالمشاركة المباشرة للمواطنين في إدارة شئون البلاد ، أو ما يعرف بالديمقراطية التمثيلية.والتي إرتكزت إدارة السلطة على قاعدة "الأغلبية"(Majority Rule).بوصفها آلية لانتخاب أعضاء البرلمان، وبالتالي اختزل الديمقراطية في أرقام ، ولا يعطي وزناً لرأي المعارضة ، والمرشح الأكثر أصواتاً هو الفائز بغض النظر عن نسبة هذه الأصوات من إجمالي الناخبين.
 قاد هذا إلى فشل كل الديمقراطيات السابقة وقاد حزب سياسي باللجو إلى الطرق الأخرى لممارسة السلطلة ، فكان أقرب الطرق هو دعم إنقلاب عسكري على الأخرين ، وبالتالي إجهاض العملية الديمقراطية برمتها.
أين الحل؟
يبدأ الحل من إتباع قاعدة ذهبية. نطلق هذه القاعدة من التعددية المركبة التي يتمتع بها السودان، بإعتبار أن التعددية المركبة قد أنتجت اختلافات في المصالح  تحتاج لإدارة تعترف بها والإقرار بوجودها وليس انكارها أو تجاهلها أو قمعها. فالإدارة الديمقراطية للاختلافات والصراعات تبدأ بالإعتراف بشرعية وجودها، وأنها لا تمثل تهديداً يُضعف وحدة المجتمع، وأن قوة المجتمع وتماسكه ينبعان من حق الأفراد والجماعات  في التعبير عن مصالحهم.فالقاعدة الذهبية تقول (إن جوهر الديمقراطية يتمثل في إدارة الاختلافات والتنوعات في المجتمع بطريقة سلمية، إذ يقدم النظام الديمقراطي إطاراً مؤسسياً لتنظيم المصالح والآراء المختلفة، والتعبير عنها، والتوفيق بينها على أساس الاعتراف بشرعيتها جميعاً).
إرتبطت الديمقراطية في العصر الحديث بمفاهيم الكرامة والحرية والسلام والعدالة واحترام حقوق الإنسان والحفاظ على الأمن الإنساني . فالأولى الابتعاد عن النظام البريطاني القديم بمعنى أن تخرج فكرة المستعمر وأن تحل محلها فكرة سودانية . بإعتبار استمرار فكرة المستعمر هي أُس الأزمة السودانية واستمراريتها.
تتطلب الديمقراطية إدارة التعددية التي هي بدورها تتطلب قبول التنوع في العناصر والمضامين والمبادي ، بحيث يتمتع كل منها بالاستقلال، ولا يمتلك أحداها الحق أو القدرة على إلغاء أو نفي الآخر، حتى لانكرر الماضي أو خلق دكتاتورية حزبية أو بالمعنى الأوسع دكتاتورية مدنية، وهي أصعب الدكتاتوريات. فالشرعية في النظام الديمقراطي مصدرها الأغلبية والأقلية معاً. فالعقد الإجتماعي هو الحل.دون نظام الوعظ والإرشاد .

الأربعاء، 29 يناير 2020


مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن
الخلفيات والدواعي وفرص النجاح
مقدمة
شهد التنظيم الدولي في الآونة الأخيرة تنامي لظاهرة التكثلات الإقليمية، لإيجاد آليات أكثر فاعلية لحفظ السلم و الأمن الإقليمي والدولي، تجسد ذلك من خلال إنشاء العديد من التكثلات في مختلف قارات العالم، حيث تباينت الأهداف ومستوى التكامل من تلك التكتلات التي أثارت جدلاً جيوسياسي متباين ، وشكوكاً حول أهدافه ومراميه ، لاسيما الوافد الجديد "مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن" . الذي أُنشأ في ظل تصاعد الاستقطاب الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط واشتعاله بالعديد من الحروب عقب الثورات التي طالت العديد من الدول العربية.الأمر الذي أثر على الأمن الإقليمي خاصة على منطقة البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي. فبرزت المنطقة كبؤرة صراع استراتيجي لعبت فيه الجغرافية السياسية الدور الأبرز في عدم استقراره.
هذا التطور على أرض الواقع صاحبه العديد من النظريات كالتكامل والأندماج ، مما أدى لما يعرف بالإقليمية الجديدة أو الإقليمية المفتوحة التي تسعى لتطوير الروابط والتكتلات والتعاون بين دول المنطقة العربية والأفريقية ، لاسيما المطلة على البحر الاحمر وخليج عدن.
خلفيات ودواعي تكوين مجلس الدول العربية والأفريقية
البحر الأحمر بمضائقه الحاكمة وجزره المسيطرة، من ضمن أولويات الدول العظمى لحماية مصالحها، وتأمين مرورها عبر تلك المضائق، إضافة إلى اقتناع تلك الدول بأن من يستطيع السيطرة على تلك المضائق فهو حتما يستطيع أن يؤثر في السياسة الدولية اقتصاديا وعسكريا.وللبحر الأحمر أبعاداً أستمد منها أهميته.
الأبعاد الجيوستراتيجية
يمثل البحر الأحمر منذ العصور القديمة حتى وقتنا الحاضر أهمية لكل الدول والحضارات التي قامت عليه أو بالقرب منه، كونه طريقا بحريا حيويا اكتسب أهميته من موقعه الجغرافي المتميز في قلب العالم القديم، وهذا الموقع جعل منه حلقة وصل بين الشرق والغرب، وجعل كثيرا من الدول قديما وحديثا ترغب في السيطرة عليه، لأنه يقع في منطقة جذب لكل دول العالم. وبالنظر إلى موقعه نجده يحظى بعروبة واضحة، لأن الدول العربية المطلة عليه تستفرد بشواطئه وثرواته، مما زاد في أهميته وجعله محط أنظار دول العالم، خاصة بعد افتتاح قناة السويس، لاختصاره طريق التجارة العالمية التي كانت تتخذ من رأس الرجاء الصالح طريقا لها.كما يمثل من أطول الممرات المائية الطويلة والضيقة يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا ويقسم العالم العربي إلى قسمين آسيوي وأفريقي، ويمتد طوليا لمسافة 2350 كلم. يربط البحر الأحمر كلا من بحر العرب عن طريق مضيق باب المندب والبحر الأبيض المتوسط عن طريق قناة السويس، ويتميز بتعرجاته الساحلية التي أدت إلى تشكيل كثير من الرؤوس البحرية والخلجان، ويتصف بالضيق في العرض مقارنة مع طوله، حيث يتراوح عرضه بين 145 كلم و362 كلم وهو أقصى عرض له قبالة سواحل إريتريا. ويتفرع عند طرفه الشمالي إلى خليج السويس في الغرب وخليج العقبة في الشرق، وتقع شبه جزيرة سيناء بين هذين الخليجين.
 الأبعاد الجيوسياسية
تُعد منطقة الشرق الأوسط التي يمثل البحر الأحمر جزءا منها محورا لأزمات متلاحقة لا تقتصر على وقتنا الحاضر بل تمتد منذ القدم، ولم يكن البحر الأحمر بعيدا عن تلك الأزمات والأحداث، بل كان في قلبها، وشكل جزءا منها، وقد أثر أو تأثر بما يحدث فيها. وفي عصرنا هذا أصبح منطقة جذب سياسية لدول العالم، خاصة الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى دائما للسيطرة عليه بسبب موقعه الاستراتيجي، للمحافظة على أمن وسلامة المنطقة والعالم، والتواجد قريبا من المنطقة لحسم أي نزاعات من شأنها تهديد مصالحها.
يُعد البحر الأحمر ساحة للتنافس بقصد السيطرة عليه أو التدخل فيه من قبل الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل، والدول الأوربية، وكذلك إيران وتركيا ، تسعى تلك الدول إلى الإقتراب المباشر وغير المباشر من مداخله وجزره عبر شبكة علاقات سياسية اقتصادية عسكرية مع دول من قارة أفريقيا، خاصة التي تقع في الجزء الجنوبي والشرقي منها . وبذلك أصبح البحر الأحمر عاملا مهما له ثقله في التطورات العسكرية في المنطقة ، ولما له من موقع استراتيجي  وأهميته المتصاعدة على المستوى العسكري نتيجة ضمه لعدد من المضائق وجزر تتحكم في الملاحة الدولية.
الأبعاد الجيوإقتصادية
ظهرت أهمية البحر الأحمر الاقتصادية منذ القدم، لكن أهميته بدأت تشكل بؤرة للصراع الدولي بعد أن إنشاء قناة السويس التي ربطت البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، واختصرت طريق التجارة العالمي التي كانت تستخدم رأس الرجاء الصالح ممرا لحركتها، مما أدى إلى تخفيض أسعار السلع، والنقل، وتوفير الوقت والجهد، إذ يوفر للسفن والناقلات العملاقة نحو 57-59% من المسافة، كذلك يوفر من 50-70% من كمية الوقود اللازمة تبعا للحمولة والسرعة، وكل ذلك يتيح للسفن والناقلات زيادة عدد الرحلات، وسرعة الإمداد بالوقود والسلع، مما يؤثر على مستويات الأسعار. كما أن قربه من أعلى مخزون نفطي في العالم، حيث يوجد نحو 70% من احتياطي النفط العالمي في منطقة الخليج العربي القريب من البحر الأحمر، زاد من أهمية هذا البحر كونه الطريق المختصر للوصول إلى هذا المخزون.
ماهو مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر
مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن هو الكيان الذي تم الإعلان عن تأسيسه في ديسمبر 2018 بالرياض،تحت إسم منتدى الدولة المشاطئة على البحر الأحمر. شارك فيه وزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، وبحث إنشاء كيان يضم المملكة العربية السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن، وأريتريا. وهدفه المعلن إقامة الكيان في تعزيز الأمن والاستقرار والتجارة والاستثمار في هذه المنطقة الحيوية المهمة، و حماية التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية، وتعزيز الأمن والاستثمار والتنمية لدول الحوض. ووقع في يناير 2020 على ميثاقه بإسم مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
يكتسب المجلس أهمية استراتيجية مضموناً وتوقيتاً، فعلى صعيد المضمون الارتباط بين أمن الخليج العربي وأمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر ، فضلاً عن تهديدات الأمن الإقليمي الراهنة، منها تداعيات الأزمة اليمنية على أمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج من خلال تهديدات الملاحة في مضيق باب المندب الاستراتيجي، وعلى صعيد التوقيت أن ذلك التجمع يجيء وسط عدد من التحولات الإقليمية المهمة، وتحدد مؤشراتها في الصراع الإقليمي-العالمي في منطقة القرن الإفريقي عموماً والذي تعكسه القواعد العسكرية للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية بما يعنيه ذلك من عسكرة تلك المنطقة التي تعد امتداداً جيواستراتيجياً لأمن الخليج العربي، والمؤشر الأخر - رغم أهمية الأهداف التي أعلنت والتي يسعى هذا التجمع لتحقيقها فإن جلها أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب في ظل عدم وجود اتفاقية ملزمة لكافة الدول المتشاطئة بشأن مسألة الحقوق البحرية للدول سواء المياه الإقليمية أو المناطق الاقتصادية الخالصة، علاوة على مؤشر ثالث -  مع أهمية الآليات الدولية لضمان أمن الملاحة في الخليج العربي سواء التحالف العسكري البحري لضمان أمن الملاحة في الخليج العربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أو البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة في الخليج العربي فإن وجود آلية إقليمية من شأنها التكامل مع هاتين الآليتين وفق منظور مؤسسي مستدام.

مدركات الانتقال الديمقراطي

بين الإجراء والغاية

لا يمكن ادراك مدركات الانتقال الديمقراطي إلا بالمقارنة وتحليل تجارب التطور الديمقراطي في دول ومجتمعات مختلفه0 وما أشد احتياجنا الانتقال إلى الديمقراطية في السودان.
الى هذه النظرة بدلا من الاستمرار في إنهاك عقولنا وتفكيرنا في البحث عن (خصوصيات) لا سند لها في الحقيقة إذا ما عرفنا ما حدث في الدول الأخرى0 والجديد .هنا نتساءل ماهة تلك (الديمقراطية) التي ننتقل اليها وهل هي- يهلل الباحثون الغربيون لها مجموعة من المؤسسات والإجراءات المتعلقه بطريقة الوصول الحكم وتداول من يد الى اخرى، وهو ما يسمى الديمقراطية الإجرائية ؟ أو انها النظام الذي يؤدي إلى تبني الحكومات مجموعة من السياسات العامه التي توفر فرص الحياة المتساوية لأكبر عدد من المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين اللأفراد والجماعات والطبقات والمناطق، وهو ما يسمى مضمون الديمقراطية أو الديموقراطية الغائية؟ بعبارةأخرى: هل الديمقراطية هي مجموعة إجراءات تتصل بطريقة الوصول إلى السلطة وتداولها فقط، أو إنها تتعلق أيضا بجودة أدا نظام الحكم وقدرته على حل المشاكل التي يواجهها المجتمع وتوفير الحياة كريمة للمواطنين، أي أداء النظام وجودة الحكم؟
إن اهمية موضوع الديمقراطية تنبع من انها تتناول قضايا حيوية تشمل طبيعة العلاقات بين الحاكمين والمحكومين، وأساس الطاعة السياسية أو الإلتزام السياسي، والتوازن الضروري والمطلوب بين الحرية والسلطة والعدالة، وبين الحق والواجب، والعلاقة بين الدولة والقوى الاجتماعية، مدى تعبير الأولى- باعتبارها شكلا مؤسسيا وقانونيا- عن المجتمع باختصار، إن البحث في موضوع الديمقراطية هو بحث في الشرعية الدولية وشرعية النظم السياسية والاجتماعية0
الجديد في الأمر أن الثورات التي إجتاحت العالم العربي لم تقتصر على الدول المحكومة عسكرياَ ، بل امتدت في الدول ذات الحكم المدني أي ما أصطلح عليه بالحكومات الديمقراطية. فالوضع في العراق ولبنان شاهد على ذلك. ما يؤكد الأمر ليس الحكم الديمقراطي ، ولكن الأمر يحتاج لنظريات وتحليلات ورؤى جديدة تتواكب مع تطلعات الشعوب.
 أما النموذج الأخر هو إزدياد وتصاعد المطالبة بتحقيق المشاركة والكرامة والمساواة والعدالة والحرية، وهي القيم الأثيرة لدي فلاسفة الديمقراطية0 ولم تقتصر هزه المطالبات على المجتمعات التي خضعت لنظم سلطوية، بل امتدت إلى قلب عواصم دول الديمقراطية المستقرة ومدنها الكبرى، ففي اكتوبر 2011، انطلقت المظاهرات في قرابة ألف مدينة في خمسة وثمانون دولة، رفعت شعارات ضرورة كسر احتكار النخب وجماعات المصالح المنظمة النفوذ السياسي وإعادة السلطة إلى الشعب0
إذاً الأمر مرتبط بمراجعة الممارسات السياسية وأداء مؤسسات الحكم  بهدف جعلها أكثر قرباً إلى الإنسان العادي وأكثر تعبيراً عن مصالحه. وهنا تبرز أسئلة يمكن نقيس عليها الوضع في السودان.هي ، كيف تعاملت النخب السياسية الجديدة التي وصلت للحكم بعد سقوط النظام السلطوي مع تحديات مرحلة الإنتقال إلى الديمقراطية، وإقامة مؤسسات العهد الجديد؟ وما العوامل المؤثرة في ذلك؟. ما المسار الذي أخذته المؤسسات الجديدة؟وهل قادت تفاعلاتها إلى تعزيز النظام الديمقراطي وتوطيد أركانه وتأسيس لما بعد الانتقال؟، أم إقامة نظم سلطوية جديدة.                           

الخميس، 2 يناير 2020




  المدنية في العالم العربي
 عن أي مدنية يتحدثون!؟
تسعى كثير من الدول العربية إلى تعزيز دور الجيوش في الممارسة السياسية بإعتبارها الضامن القوي للأستقرار السياسي والحفاظ على المسار الدستوري ومدنية الدولة وديمقراطيتها ومنعها من السقوط. وهنا يبرز سؤال ، ما هي الجهة التي يمنعها الجيش من محاولة سقوط الدولة المدنية والديمقراطية؟.هل هي الشعب الثائر ،أم هناك جهات آخرى تسعى لسقوط ديمقراطية الدولة.
من الثابت أن الدولة المدنية هي الدولة التي يشارك في إدارتها وعمليتها السياسية كل مؤسسات الدولة ومكوناتها دون إقصاء.ولتقريب المعنى معالجة العلاقة المدنية العسكرية. ويمكن أن نفهم أن المدنية التي ينادي بها الشباب الثائر، والتي تعني في نظرهم إبعاد القوات المسلحة من ممارسة العمل السياسي.وعليهم حماية المدنية وحراستها أي إبتعاد الجيوش من الإنقلابات العسكرية التي تقوض العملية الديمقراطية. ولكننا لن نفهم أن حكومة عسكرية إنقلبت على الديمقراطية والحكومة المنتخبة من الشعب،وتعدل دستورها لتمكين وتعزيز قبضة الجيوش و السيطرة على الحكم !؟، وتقول ذلك بهدف صون والحفاظ على الديمقراطية وحريات الشعوب والأفراد.
انفراد أي مكون من مكونات السياسية أو العسكرية بالسلطة والحكم وعدم فتح المجال للأخرين ، للمشاركة في العملية السياسية ومحاولة الإقصاء ،هذا يتعارض مع الدولة المدنية بمفهومها الأكاديمي والاستراتيجي الرصين. فالبلطة السياسية تقرر مفاهيم عن المدنية غير معروفة في القاموس السياسي المتعارف عليه.
عملية التحول الديمقراطي هي عملية ممتدة وقد تشمل عمليات ولها ارتداداتها ، ولكنه تحقق النجاح المطلوب بشرط أن تعالج الفترة الإنتقالية وتتصدى القوى السياسية لمعالجة القضايا الشائكة وعلى رأسها العلاقة المدنية العسكرية. ولايجب فتح كل الملفات القديمة في آن واحد.وبالتالي تكون المدنية هي عدم خضوع طرف مدني على طرف عسكري.ولا يمكن لحكم عسكري قابض ولم يفسح المجال للقوى السياسية أو الاجتماعي ممارسة العمل السياسي ولا يفهم أن يكون الجيش هو حامي وحارث الديمقراطية ، إلا إذا كان هنالك معنى أخر للديمقراطية لم تتطرق إليه الأضابير المعاجم السياسية والأكاديمية.
هذه مشكلة قادة العالم العربي الذي يتحدثون عن الديمقراطية والدولة المدنية في ظل حكومات عسكرية قابضة على زمام الأمور السياسية دون غيرها ، وتقول أنها حامية للديمقراطية والدولة المدنية . ويمكن أن نسأل أي مدنية وديمقراطية يتحدثون!؟.