الأربعاء، 29 يناير 2020


مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن
الخلفيات والدواعي وفرص النجاح
مقدمة
شهد التنظيم الدولي في الآونة الأخيرة تنامي لظاهرة التكثلات الإقليمية، لإيجاد آليات أكثر فاعلية لحفظ السلم و الأمن الإقليمي والدولي، تجسد ذلك من خلال إنشاء العديد من التكثلات في مختلف قارات العالم، حيث تباينت الأهداف ومستوى التكامل من تلك التكتلات التي أثارت جدلاً جيوسياسي متباين ، وشكوكاً حول أهدافه ومراميه ، لاسيما الوافد الجديد "مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن" . الذي أُنشأ في ظل تصاعد الاستقطاب الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط واشتعاله بالعديد من الحروب عقب الثورات التي طالت العديد من الدول العربية.الأمر الذي أثر على الأمن الإقليمي خاصة على منطقة البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي. فبرزت المنطقة كبؤرة صراع استراتيجي لعبت فيه الجغرافية السياسية الدور الأبرز في عدم استقراره.
هذا التطور على أرض الواقع صاحبه العديد من النظريات كالتكامل والأندماج ، مما أدى لما يعرف بالإقليمية الجديدة أو الإقليمية المفتوحة التي تسعى لتطوير الروابط والتكتلات والتعاون بين دول المنطقة العربية والأفريقية ، لاسيما المطلة على البحر الاحمر وخليج عدن.
خلفيات ودواعي تكوين مجلس الدول العربية والأفريقية
البحر الأحمر بمضائقه الحاكمة وجزره المسيطرة، من ضمن أولويات الدول العظمى لحماية مصالحها، وتأمين مرورها عبر تلك المضائق، إضافة إلى اقتناع تلك الدول بأن من يستطيع السيطرة على تلك المضائق فهو حتما يستطيع أن يؤثر في السياسة الدولية اقتصاديا وعسكريا.وللبحر الأحمر أبعاداً أستمد منها أهميته.
الأبعاد الجيوستراتيجية
يمثل البحر الأحمر منذ العصور القديمة حتى وقتنا الحاضر أهمية لكل الدول والحضارات التي قامت عليه أو بالقرب منه، كونه طريقا بحريا حيويا اكتسب أهميته من موقعه الجغرافي المتميز في قلب العالم القديم، وهذا الموقع جعل منه حلقة وصل بين الشرق والغرب، وجعل كثيرا من الدول قديما وحديثا ترغب في السيطرة عليه، لأنه يقع في منطقة جذب لكل دول العالم. وبالنظر إلى موقعه نجده يحظى بعروبة واضحة، لأن الدول العربية المطلة عليه تستفرد بشواطئه وثرواته، مما زاد في أهميته وجعله محط أنظار دول العالم، خاصة بعد افتتاح قناة السويس، لاختصاره طريق التجارة العالمية التي كانت تتخذ من رأس الرجاء الصالح طريقا لها.كما يمثل من أطول الممرات المائية الطويلة والضيقة يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا ويقسم العالم العربي إلى قسمين آسيوي وأفريقي، ويمتد طوليا لمسافة 2350 كلم. يربط البحر الأحمر كلا من بحر العرب عن طريق مضيق باب المندب والبحر الأبيض المتوسط عن طريق قناة السويس، ويتميز بتعرجاته الساحلية التي أدت إلى تشكيل كثير من الرؤوس البحرية والخلجان، ويتصف بالضيق في العرض مقارنة مع طوله، حيث يتراوح عرضه بين 145 كلم و362 كلم وهو أقصى عرض له قبالة سواحل إريتريا. ويتفرع عند طرفه الشمالي إلى خليج السويس في الغرب وخليج العقبة في الشرق، وتقع شبه جزيرة سيناء بين هذين الخليجين.
 الأبعاد الجيوسياسية
تُعد منطقة الشرق الأوسط التي يمثل البحر الأحمر جزءا منها محورا لأزمات متلاحقة لا تقتصر على وقتنا الحاضر بل تمتد منذ القدم، ولم يكن البحر الأحمر بعيدا عن تلك الأزمات والأحداث، بل كان في قلبها، وشكل جزءا منها، وقد أثر أو تأثر بما يحدث فيها. وفي عصرنا هذا أصبح منطقة جذب سياسية لدول العالم، خاصة الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى دائما للسيطرة عليه بسبب موقعه الاستراتيجي، للمحافظة على أمن وسلامة المنطقة والعالم، والتواجد قريبا من المنطقة لحسم أي نزاعات من شأنها تهديد مصالحها.
يُعد البحر الأحمر ساحة للتنافس بقصد السيطرة عليه أو التدخل فيه من قبل الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل، والدول الأوربية، وكذلك إيران وتركيا ، تسعى تلك الدول إلى الإقتراب المباشر وغير المباشر من مداخله وجزره عبر شبكة علاقات سياسية اقتصادية عسكرية مع دول من قارة أفريقيا، خاصة التي تقع في الجزء الجنوبي والشرقي منها . وبذلك أصبح البحر الأحمر عاملا مهما له ثقله في التطورات العسكرية في المنطقة ، ولما له من موقع استراتيجي  وأهميته المتصاعدة على المستوى العسكري نتيجة ضمه لعدد من المضائق وجزر تتحكم في الملاحة الدولية.
الأبعاد الجيوإقتصادية
ظهرت أهمية البحر الأحمر الاقتصادية منذ القدم، لكن أهميته بدأت تشكل بؤرة للصراع الدولي بعد أن إنشاء قناة السويس التي ربطت البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، واختصرت طريق التجارة العالمي التي كانت تستخدم رأس الرجاء الصالح ممرا لحركتها، مما أدى إلى تخفيض أسعار السلع، والنقل، وتوفير الوقت والجهد، إذ يوفر للسفن والناقلات العملاقة نحو 57-59% من المسافة، كذلك يوفر من 50-70% من كمية الوقود اللازمة تبعا للحمولة والسرعة، وكل ذلك يتيح للسفن والناقلات زيادة عدد الرحلات، وسرعة الإمداد بالوقود والسلع، مما يؤثر على مستويات الأسعار. كما أن قربه من أعلى مخزون نفطي في العالم، حيث يوجد نحو 70% من احتياطي النفط العالمي في منطقة الخليج العربي القريب من البحر الأحمر، زاد من أهمية هذا البحر كونه الطريق المختصر للوصول إلى هذا المخزون.
ماهو مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر
مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن هو الكيان الذي تم الإعلان عن تأسيسه في ديسمبر 2018 بالرياض،تحت إسم منتدى الدولة المشاطئة على البحر الأحمر. شارك فيه وزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، وبحث إنشاء كيان يضم المملكة العربية السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن، وأريتريا. وهدفه المعلن إقامة الكيان في تعزيز الأمن والاستقرار والتجارة والاستثمار في هذه المنطقة الحيوية المهمة، و حماية التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية، وتعزيز الأمن والاستثمار والتنمية لدول الحوض. ووقع في يناير 2020 على ميثاقه بإسم مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
يكتسب المجلس أهمية استراتيجية مضموناً وتوقيتاً، فعلى صعيد المضمون الارتباط بين أمن الخليج العربي وأمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر ، فضلاً عن تهديدات الأمن الإقليمي الراهنة، منها تداعيات الأزمة اليمنية على أمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج من خلال تهديدات الملاحة في مضيق باب المندب الاستراتيجي، وعلى صعيد التوقيت أن ذلك التجمع يجيء وسط عدد من التحولات الإقليمية المهمة، وتحدد مؤشراتها في الصراع الإقليمي-العالمي في منطقة القرن الإفريقي عموماً والذي تعكسه القواعد العسكرية للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية بما يعنيه ذلك من عسكرة تلك المنطقة التي تعد امتداداً جيواستراتيجياً لأمن الخليج العربي، والمؤشر الأخر - رغم أهمية الأهداف التي أعلنت والتي يسعى هذا التجمع لتحقيقها فإن جلها أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب في ظل عدم وجود اتفاقية ملزمة لكافة الدول المتشاطئة بشأن مسألة الحقوق البحرية للدول سواء المياه الإقليمية أو المناطق الاقتصادية الخالصة، علاوة على مؤشر ثالث -  مع أهمية الآليات الدولية لضمان أمن الملاحة في الخليج العربي سواء التحالف العسكري البحري لضمان أمن الملاحة في الخليج العربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أو البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة في الخليج العربي فإن وجود آلية إقليمية من شأنها التكامل مع هاتين الآليتين وفق منظور مؤسسي مستدام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق