الأربعاء، 29 يناير 2020


مدركات الانتقال الديمقراطي

بين الإجراء والغاية

لا يمكن ادراك مدركات الانتقال الديمقراطي إلا بالمقارنة وتحليل تجارب التطور الديمقراطي في دول ومجتمعات مختلفه0 وما أشد احتياجنا الانتقال إلى الديمقراطية في السودان.
الى هذه النظرة بدلا من الاستمرار في إنهاك عقولنا وتفكيرنا في البحث عن (خصوصيات) لا سند لها في الحقيقة إذا ما عرفنا ما حدث في الدول الأخرى0 والجديد .هنا نتساءل ماهة تلك (الديمقراطية) التي ننتقل اليها وهل هي- يهلل الباحثون الغربيون لها مجموعة من المؤسسات والإجراءات المتعلقه بطريقة الوصول الحكم وتداول من يد الى اخرى، وهو ما يسمى الديمقراطية الإجرائية ؟ أو انها النظام الذي يؤدي إلى تبني الحكومات مجموعة من السياسات العامه التي توفر فرص الحياة المتساوية لأكبر عدد من المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين اللأفراد والجماعات والطبقات والمناطق، وهو ما يسمى مضمون الديمقراطية أو الديموقراطية الغائية؟ بعبارةأخرى: هل الديمقراطية هي مجموعة إجراءات تتصل بطريقة الوصول إلى السلطة وتداولها فقط، أو إنها تتعلق أيضا بجودة أدا نظام الحكم وقدرته على حل المشاكل التي يواجهها المجتمع وتوفير الحياة كريمة للمواطنين، أي أداء النظام وجودة الحكم؟
إن اهمية موضوع الديمقراطية تنبع من انها تتناول قضايا حيوية تشمل طبيعة العلاقات بين الحاكمين والمحكومين، وأساس الطاعة السياسية أو الإلتزام السياسي، والتوازن الضروري والمطلوب بين الحرية والسلطة والعدالة، وبين الحق والواجب، والعلاقة بين الدولة والقوى الاجتماعية، مدى تعبير الأولى- باعتبارها شكلا مؤسسيا وقانونيا- عن المجتمع باختصار، إن البحث في موضوع الديمقراطية هو بحث في الشرعية الدولية وشرعية النظم السياسية والاجتماعية0
الجديد في الأمر أن الثورات التي إجتاحت العالم العربي لم تقتصر على الدول المحكومة عسكرياَ ، بل امتدت في الدول ذات الحكم المدني أي ما أصطلح عليه بالحكومات الديمقراطية. فالوضع في العراق ولبنان شاهد على ذلك. ما يؤكد الأمر ليس الحكم الديمقراطي ، ولكن الأمر يحتاج لنظريات وتحليلات ورؤى جديدة تتواكب مع تطلعات الشعوب.
 أما النموذج الأخر هو إزدياد وتصاعد المطالبة بتحقيق المشاركة والكرامة والمساواة والعدالة والحرية، وهي القيم الأثيرة لدي فلاسفة الديمقراطية0 ولم تقتصر هزه المطالبات على المجتمعات التي خضعت لنظم سلطوية، بل امتدت إلى قلب عواصم دول الديمقراطية المستقرة ومدنها الكبرى، ففي اكتوبر 2011، انطلقت المظاهرات في قرابة ألف مدينة في خمسة وثمانون دولة، رفعت شعارات ضرورة كسر احتكار النخب وجماعات المصالح المنظمة النفوذ السياسي وإعادة السلطة إلى الشعب0
إذاً الأمر مرتبط بمراجعة الممارسات السياسية وأداء مؤسسات الحكم  بهدف جعلها أكثر قرباً إلى الإنسان العادي وأكثر تعبيراً عن مصالحه. وهنا تبرز أسئلة يمكن نقيس عليها الوضع في السودان.هي ، كيف تعاملت النخب السياسية الجديدة التي وصلت للحكم بعد سقوط النظام السلطوي مع تحديات مرحلة الإنتقال إلى الديمقراطية، وإقامة مؤسسات العهد الجديد؟ وما العوامل المؤثرة في ذلك؟. ما المسار الذي أخذته المؤسسات الجديدة؟وهل قادت تفاعلاتها إلى تعزيز النظام الديمقراطي وتوطيد أركانه وتأسيس لما بعد الانتقال؟، أم إقامة نظم سلطوية جديدة.                           

الخميس، 2 يناير 2020




  المدنية في العالم العربي
 عن أي مدنية يتحدثون!؟
تسعى كثير من الدول العربية إلى تعزيز دور الجيوش في الممارسة السياسية بإعتبارها الضامن القوي للأستقرار السياسي والحفاظ على المسار الدستوري ومدنية الدولة وديمقراطيتها ومنعها من السقوط. وهنا يبرز سؤال ، ما هي الجهة التي يمنعها الجيش من محاولة سقوط الدولة المدنية والديمقراطية؟.هل هي الشعب الثائر ،أم هناك جهات آخرى تسعى لسقوط ديمقراطية الدولة.
من الثابت أن الدولة المدنية هي الدولة التي يشارك في إدارتها وعمليتها السياسية كل مؤسسات الدولة ومكوناتها دون إقصاء.ولتقريب المعنى معالجة العلاقة المدنية العسكرية. ويمكن أن نفهم أن المدنية التي ينادي بها الشباب الثائر، والتي تعني في نظرهم إبعاد القوات المسلحة من ممارسة العمل السياسي.وعليهم حماية المدنية وحراستها أي إبتعاد الجيوش من الإنقلابات العسكرية التي تقوض العملية الديمقراطية. ولكننا لن نفهم أن حكومة عسكرية إنقلبت على الديمقراطية والحكومة المنتخبة من الشعب،وتعدل دستورها لتمكين وتعزيز قبضة الجيوش و السيطرة على الحكم !؟، وتقول ذلك بهدف صون والحفاظ على الديمقراطية وحريات الشعوب والأفراد.
انفراد أي مكون من مكونات السياسية أو العسكرية بالسلطة والحكم وعدم فتح المجال للأخرين ، للمشاركة في العملية السياسية ومحاولة الإقصاء ،هذا يتعارض مع الدولة المدنية بمفهومها الأكاديمي والاستراتيجي الرصين. فالبلطة السياسية تقرر مفاهيم عن المدنية غير معروفة في القاموس السياسي المتعارف عليه.
عملية التحول الديمقراطي هي عملية ممتدة وقد تشمل عمليات ولها ارتداداتها ، ولكنه تحقق النجاح المطلوب بشرط أن تعالج الفترة الإنتقالية وتتصدى القوى السياسية لمعالجة القضايا الشائكة وعلى رأسها العلاقة المدنية العسكرية. ولايجب فتح كل الملفات القديمة في آن واحد.وبالتالي تكون المدنية هي عدم خضوع طرف مدني على طرف عسكري.ولا يمكن لحكم عسكري قابض ولم يفسح المجال للقوى السياسية أو الاجتماعي ممارسة العمل السياسي ولا يفهم أن يكون الجيش هو حامي وحارث الديمقراطية ، إلا إذا كان هنالك معنى أخر للديمقراطية لم تتطرق إليه الأضابير المعاجم السياسية والأكاديمية.
هذه مشكلة قادة العالم العربي الذي يتحدثون عن الديمقراطية والدولة المدنية في ظل حكومات عسكرية قابضة على زمام الأمور السياسية دون غيرها ، وتقول أنها حامية للديمقراطية والدولة المدنية . ويمكن أن نسأل أي مدنية وديمقراطية يتحدثون!؟.



الخميس، 19 ديسمبر 2019


مستقبل التحول الديمقراطي في خطر
أثبتت تجارب التحول الديمقراطي في السودان عقب كل مرحلة إنتقالية مصيرها الفشل وعدم اكمال عملية التحول قاد حزب سياسي فاعل في العملية السياسية ضاقت بها الديمقراطية انقلبت على القوى السياسي الآخرى بسند سياسي من القوات المسلحة، وبالتالي تكوين حكومة عسكرية مسنودة بحزب سياسي ، منذ حكومة عبود مروراً بحكومة مايو وختاماً بالانقاذ.
مما سبق أن سبب تعثر التحول الديمقراطي هو القوى السياسية نفسها وليس القوات المسلحة أو الانقلابات العسكرية، فشل الأحزاب السياسية  في النأي عن المكاسب الشخصية والحزبية والتكتلات دون الرؤية المستقبلية وحقوق الأجيال القادمة. فكان جيل الثورة فاقد الثقة في تلك الأجيال. المطلوب خلال المرحلة الانتقالية هو تأسيس لعملية التحول الديمقراطي وكسر الحلقة التي تدور محورها حول سلوك سياسي غير صادق انتج تحول ديمقراطي كاذب.
كانت ثورة ديسمبر ضد هذا السلوك والتداول غير السلمي للسلطة والدكتاورية العسكرية أو الدكتاتورية الحزبية، وإنكسار الأيدولوجيات أمام بريق السلطة ، في ظل دولة بدون هدى ولاعقل  ولاتفكير اللذان يقودان إلى التخطيط  السليم الذي يحكمه دستور متوافق عليه لو في حده الأدنى .
ركبت القوى السياسية على ظهر الثورة الشبابية، ومارست ذات السلوك والاسطوانات القديمة (المشروخة) ،وتحاول اسقاطها على مرحلة الانتقال السياسي (الحكومة الانتقالية)، فماذا حدث؟.
أولاً: نكصت أحزاب (قحت) عن وعدها الذي قطعته على الشعب السوداني الثائر إبان الثورة بعدم  دخولها ومشاركتها في أي من الأجهزة التنفيذية، وأنها تستعد لما بعد المرحلة الاتنقالية ويمكن  لها أن تشارك في السلطة التشريعية بهدف مراقبة أداء الحكومة وأجهزتها. ولكنها تدافعت بكثافة للدخول  في الحكومة عقب تكوين لجنة إختيار الوزراء ، فكان لها ذلك .والأن تصارع بشراسة من أجل المشاركة في ولاة الولايات، حتى وصل بها الأمر لتدخل في خلافات مع قيادات الجهة الثورية، رغم  الاتفاق أن منطوق الوثيقة الدستورية يقول "أن الست شهور الأولى من المرحلة الاتنقالية مخصصة للسلام.
هذا الوضع أصاب الشباب بخيبة أمل تجاه ما آلت إليه ثورتهم واختطافها من قبل الذين أوصلوا البلاد منذ الاستقلال لما نحن فيه، وطقت السلوكيات غير المقبولة  المتمثلة في صعود الأيدولوجيات المتناقضة والمتضادة التي دائماً ماتقود إلى الفتنة وتُعقد بعملية الانتقال السياسي ، وتعرقل عمل الحكومة الانتقالية الذي يجب أن تقوم به.وبالتالي تعرقل عملية التحول الديمقراطي. وهذا بدوره يؤشر إلى  أن مستقبل الديمقراطي في السودان في خطر، علاوة على أن تصريحات رئيس حزب الأمة القومي وتلويحاته بانتخابات مبكرة، وطالب في ذات الوقت دعم الحكومة الانتقالية.
ربط هذا الحديث مع سيرة المهدي السياسية وطريقته في التصريحات ، يوحي إلى أن عملية التحول الديمقراطي في خطر!. وإذا كان أن الأمر غير كذلك ، ما العلاقة بين الدعوة لانتخابات مبكرة وفي ذات الوقت يدعو لدعم الحكومة الانتقالية. ويقيناً أن التنافسية الحزبية والكسب الحزبي على المقاعد التنفيذية في المرحلة الانتقالية هي أس الداء الذي أفشل ثورات وحراك الشباب في المنطقة ولا سيما الثورة السودانية.

القوى السياسية تضع خنجراً في ظهر الثورة!

تطل بين الحين والآخر تصريحات التلويح بضرورة قيام انتخابات مبكرة في حال فشل الحكومة الإنتقالية . فالسؤال الأبرز هنا هل الإنتخايات هي الخيار الأنسب  لحل مشاكل السودان؟. تحتاج الإجابة على هذا السؤال تحليل دقيق وحقيقي عن مآلات الانتخابات التب أعقبت كل مراحل الانتقال السياسي للتحول الديمقراطي من حكم عسكري إلى حكم مدني" ومدني هنا ليس تعني المدنية" ولكنها استخدام مجازي في مواجهة الحكم العسكري.
أمامنا تجارب انتقال سياسي لم تفض إلى تحول ديمقراطي وتكوين  المؤسسات المدنية التي تقوم بدورها لاستدامة الديمقراطية. فالقوص في أتون التلويح بالانتخابات المبكرة  يحتم علينا تشريح الدعوات للانتخابات المبكرة في ظل حكومة إنتقالية في بداياتها . يحدثنا تاريخنا السياسي إن الحكومات التي عقبت عملية الانتقال السياسي في السودان في 1958 و1986 لم تنتج  أو تنجح في تحول ديمقراطي، فكيف لنا أن نذهب إلى انتخابات في حال فشل الفترة الانتقالية .ألم تكن الفترة الانتقالية هي فترة تأسيس للتحول الديمقراطي؟!.
سبق وأن نوهنا إلى أن شعار (تسط بس) دون برنامج ورؤى واضحة ومشاركة فاعلة من قبل الفاعليين الحقيقيين في ثورة ديسمبر 2018 في إدارة المرحلة الإنتقالية في ظل تهافت القوى السياسية "ذات الأجندة الخاصة " على سرقة ثورة الشباب ستكون النتائج كارثية. فحدث ما كنا نخشاه ، وفي مخيلتنا أن التطور  التطور السياسي في السودان وتجارب الانتقال السياسي عقب كل ثورة كان الفشل بسبب القوى السياسية.
كيف لزعيم ورئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي يلوح باللجو إلى انتخابات مبكرة.، ويكرر ذلك منذ ستينيات القرن الماضي في العام 1964م. وبالنظر لتلك الدعوة منذ ذلك التاريخ أنها تظهر  كلما تصاعدت حدة الصراع بين القوى السياسية ، وعدم توافقها  حول سير العملية السياسية في مرحلة الانتقال السياسي (الفترة الانتقالية) أو التحول الديمقراطي ، وتهديد استقرارها ، وكانت تستخدم لتهديد الآخرين. مرتكزة في ذلك على ثقلها السياسي في الأرياف التي غالباً ما تكسب  به الدوائر الجغرافية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، هو، هل قواعد الأحزاب الطايفية هي ذات القواعد قبل ثلاثون عاماً؟. تبدو الإجابة من الوهلة الأولى(لا). خاصة وأن الوعي السياسي ارتفعت قيمته وتعززت قوته جراء المشاركة الواسعة للفئيات الاجتماعية بكل مكوناتها في الثورة، ورافضة لتحدث الأحزاب وقياداتها في مسيرات الشباب. ما يؤشر إلى أن اتساع الرقعة الجغرافية للوعي المجتمعي ، وبالتالي اتسعت الرقعة الجغرافية التي كانت تقوم فيها الانتخابات، وهذه الرقعة الجغرافية الواسعة لها مطالبها واستحقاقاتها. لذلك الدعوة  لقيام انتخابات في الوقت الراهن هو رحيل للمجهول وقفزة في الظلالم. ولانجاح لإنتخابات إلا بنجاح المرحلة الانتقالية  التي أمامها الكثير  من المهام وهي مرحلة (تأسيس) للتحول الديمقراطي الحقيقي المستدام. وعلى القوى السياسية بكل أشكالها وتكويناتها أن تنأنى عن المهام التنفيذية في الفترة الانتقالية، وأن تستعد إلى مرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية التي لا تتحمل المناكفات والصراعات الحزبية إلافي إطار تكوين هياكلها وبرامجها والاعتكاف على خططها. أما استقلال الحكومة الإنتقالية لتنفيذ الأجندة الحزبية هو عين الفشل الحقيقي للمرحلة الانتقالية ، وبالتالي هو أول فشل في عملية التحول الد\يمقراطي المرتجى بعد مرحلة الانتقال السياسي.