سلسلة
العوامل الداعمة لنجاج عملية الانتقال السياسي
الحالة
السودانية في الميزان
أثبتت التجارب أن كل مجتمع إذا أراد أن يححق عملية
انتقاله الديمقراطي من نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي عليه أن يضع تجربته الخاصة لإنتقاله
السياسي إلى الديمقراطية، ولا يوجد نموذج وقالب ناجح لتقليده وتطبيقه، بإعتبار لكل
مجتمع عاداته وتقليده وأعرافه وتعددياته وإن تشابهت مع دول أخرى. فعملية الانتقال
لاتحدث من فراغ، بل تدور تفاعلاتها في سياق اجتماعي محدد يشمل سمات النظام
الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي المتبعة في ذلك المجتمع.
السودان أحد الدول التي لها تجارب غنية بالعبر
والمعاني في عملية الانتقال السياسي من
حكم عسكري إلى حكم مدني منذ استقلاله في
العام 1956م. ولكنه في ذات الوقت منذ ذلك التاريخ لم تتوفر له القدرة على انتاج
نموذج انتقال سياسي يُفضي إلى تحول يُوسس
لحكم ديمقراطي . الأمر الذي أدخله في حلقة شريرة
قوامها تجربة ديمقراطية قصيرة فاشلة تنتهي بإنقلاب عسكري تعقبه ثورات شعبية تطيح بالحكم العسكري ثم فترة إنتقالية أخرى وهكذا .
هذا الوضع لا نريده أن يستمر، لذلك نبحث
عن العوامل الذي يعصم من أن لا تتكرر تلك الحلقة أو تستمر . وأهم تلك العوامل.
العامل الأول:
استقرار مفهوم الدولة
يعني مفهوم الدولة ، يعني قبول عامة بالحدود
الجغرافية للدولة ، وغلبة مشاعر الانتماء الوطني لشعبها، علاوة على التوافق مكونات
الجماعة السياسية ومفهوم الهوية الوطنية. استقرار هذه السمات يقصر الاخلافات مهما كانت حدتها على شكل نظام الحكم ومضمون
السياسات العامة. والعكس عندما تكون أسس الدولة محل شك ، تكون هناك مطالبات
بالانفصال عنها أو إعادة النظر في حدودها، فإن عملية الانتقال إلى الديمقراطية
تصبح أكثر صعوبة. بعد معايرة هذا العامل مع الوضع الإنتقالي في السودان وما يجري
فيه نلاحظ الأتي:
ü
ليس هناك
قبول عام بحدود الدولة السودانية ، بل يوجد عدم احتراف بعض المكونات المجتمعية
بهذه الحدود.
ü توجد بعض الفئات التي لا تعترف بإنتماؤها الوطني
للسودان ، بل أنها لا تشبه عادات وتقاليد السودانيين ، بل تجاهر بأن إتنماؤها
لدولة أخرى.
ü ليس هناك توافق اجتماعي على هوية السودان هل هو
دولة عربية أم نزجية. وليس هناك اتفاق أن السودانيين هم مجموعات أثنية متداخلة
ومترابطة مع بعضها البعض.
ü
تعتبر
بعض المكونات للمجتمع السوداني أن أُسس الدولة محل شك ، هذا أدي بدوره بارتفاع
المطالبات بالانفصال عنها ،أو بإعادة النظر في حدودها.
هذه الأوضاع وبهذا الشكل تكون معوقاً أساسياً لنجاح
عملية الانتقال السياسي في السودان، وتُصعب من تحقيقه.حسناً بدأ الفترة الإنتقالية
التي أعقبت ثورة ديسمبر 2018، وفي وثيقتها الدستورية أن نصف العام الأول منها
لتحقيق السلام،وكن شابها قصر النظر في مفهوم السلام بمعناه الشامل الذي يحقق
الاستقرا، فاتجهت بكلياتها إلى وقف الحرب وتحقيق سلام البندقية ، ولكنها أهملت بل عمقت
شقة السلام المجتمعي ، بقيادة توجهات لا تقود إلى عملية أنتقال سياسي تُأسس لحكم
ديمقراطي.
عموماً . إذا
كانت الديمقراطية تقوم على مبدأ سيادة الشعب ، فإن من الضروري أن تكون حدود هذا
الشعب ومكوناته واضحة، وإذا كانت الديمقراطية تضمن الحقوق السياسية والاجتماعية
للمواطنين . فإنه يكون من الضروري الاتفاق حول من هم هؤلاء المواطنون الذين ينبغي
أن يتمتعوا بالحقوق الديمقراطية في إطار جغرافي محدد.
إن وجود تقاليد الدولة والاعتراف بحق مؤسساتها في
تطبيق القانون وإيقاع العقاب على مخالفيه وهما الشرطان الرئيسة لنجاح عملية
الانتقال وسرعتها. فالدولة هي الوحيدة التي تمتلك حق فرض الالتزام بالقانون
وقواعده. ومن دون حكم القانون لا تكون هناك ديمقراطية. واختم بسؤال أين وضعنا
الانتقالي من كل ذلك؟.