الخميس، 19 ديسمبر 2019


مستقبل التحول الديمقراطي في خطر
أثبتت تجارب التحول الديمقراطي في السودان عقب كل مرحلة إنتقالية مصيرها الفشل وعدم اكمال عملية التحول قاد حزب سياسي فاعل في العملية السياسية ضاقت بها الديمقراطية انقلبت على القوى السياسي الآخرى بسند سياسي من القوات المسلحة، وبالتالي تكوين حكومة عسكرية مسنودة بحزب سياسي ، منذ حكومة عبود مروراً بحكومة مايو وختاماً بالانقاذ.
مما سبق أن سبب تعثر التحول الديمقراطي هو القوى السياسية نفسها وليس القوات المسلحة أو الانقلابات العسكرية، فشل الأحزاب السياسية  في النأي عن المكاسب الشخصية والحزبية والتكتلات دون الرؤية المستقبلية وحقوق الأجيال القادمة. فكان جيل الثورة فاقد الثقة في تلك الأجيال. المطلوب خلال المرحلة الانتقالية هو تأسيس لعملية التحول الديمقراطي وكسر الحلقة التي تدور محورها حول سلوك سياسي غير صادق انتج تحول ديمقراطي كاذب.
كانت ثورة ديسمبر ضد هذا السلوك والتداول غير السلمي للسلطة والدكتاورية العسكرية أو الدكتاتورية الحزبية، وإنكسار الأيدولوجيات أمام بريق السلطة ، في ظل دولة بدون هدى ولاعقل  ولاتفكير اللذان يقودان إلى التخطيط  السليم الذي يحكمه دستور متوافق عليه لو في حده الأدنى .
ركبت القوى السياسية على ظهر الثورة الشبابية، ومارست ذات السلوك والاسطوانات القديمة (المشروخة) ،وتحاول اسقاطها على مرحلة الانتقال السياسي (الحكومة الانتقالية)، فماذا حدث؟.
أولاً: نكصت أحزاب (قحت) عن وعدها الذي قطعته على الشعب السوداني الثائر إبان الثورة بعدم  دخولها ومشاركتها في أي من الأجهزة التنفيذية، وأنها تستعد لما بعد المرحلة الاتنقالية ويمكن  لها أن تشارك في السلطة التشريعية بهدف مراقبة أداء الحكومة وأجهزتها. ولكنها تدافعت بكثافة للدخول  في الحكومة عقب تكوين لجنة إختيار الوزراء ، فكان لها ذلك .والأن تصارع بشراسة من أجل المشاركة في ولاة الولايات، حتى وصل بها الأمر لتدخل في خلافات مع قيادات الجهة الثورية، رغم  الاتفاق أن منطوق الوثيقة الدستورية يقول "أن الست شهور الأولى من المرحلة الاتنقالية مخصصة للسلام.
هذا الوضع أصاب الشباب بخيبة أمل تجاه ما آلت إليه ثورتهم واختطافها من قبل الذين أوصلوا البلاد منذ الاستقلال لما نحن فيه، وطقت السلوكيات غير المقبولة  المتمثلة في صعود الأيدولوجيات المتناقضة والمتضادة التي دائماً ماتقود إلى الفتنة وتُعقد بعملية الانتقال السياسي ، وتعرقل عمل الحكومة الانتقالية الذي يجب أن تقوم به.وبالتالي تعرقل عملية التحول الديمقراطي. وهذا بدوره يؤشر إلى  أن مستقبل الديمقراطي في السودان في خطر، علاوة على أن تصريحات رئيس حزب الأمة القومي وتلويحاته بانتخابات مبكرة، وطالب في ذات الوقت دعم الحكومة الانتقالية.
ربط هذا الحديث مع سيرة المهدي السياسية وطريقته في التصريحات ، يوحي إلى أن عملية التحول الديمقراطي في خطر!. وإذا كان أن الأمر غير كذلك ، ما العلاقة بين الدعوة لانتخابات مبكرة وفي ذات الوقت يدعو لدعم الحكومة الانتقالية. ويقيناً أن التنافسية الحزبية والكسب الحزبي على المقاعد التنفيذية في المرحلة الانتقالية هي أس الداء الذي أفشل ثورات وحراك الشباب في المنطقة ولا سيما الثورة السودانية.

القوى السياسية تضع خنجراً في ظهر الثورة!

تطل بين الحين والآخر تصريحات التلويح بضرورة قيام انتخابات مبكرة في حال فشل الحكومة الإنتقالية . فالسؤال الأبرز هنا هل الإنتخايات هي الخيار الأنسب  لحل مشاكل السودان؟. تحتاج الإجابة على هذا السؤال تحليل دقيق وحقيقي عن مآلات الانتخابات التب أعقبت كل مراحل الانتقال السياسي للتحول الديمقراطي من حكم عسكري إلى حكم مدني" ومدني هنا ليس تعني المدنية" ولكنها استخدام مجازي في مواجهة الحكم العسكري.
أمامنا تجارب انتقال سياسي لم تفض إلى تحول ديمقراطي وتكوين  المؤسسات المدنية التي تقوم بدورها لاستدامة الديمقراطية. فالقوص في أتون التلويح بالانتخابات المبكرة  يحتم علينا تشريح الدعوات للانتخابات المبكرة في ظل حكومة إنتقالية في بداياتها . يحدثنا تاريخنا السياسي إن الحكومات التي عقبت عملية الانتقال السياسي في السودان في 1958 و1986 لم تنتج  أو تنجح في تحول ديمقراطي، فكيف لنا أن نذهب إلى انتخابات في حال فشل الفترة الانتقالية .ألم تكن الفترة الانتقالية هي فترة تأسيس للتحول الديمقراطي؟!.
سبق وأن نوهنا إلى أن شعار (تسط بس) دون برنامج ورؤى واضحة ومشاركة فاعلة من قبل الفاعليين الحقيقيين في ثورة ديسمبر 2018 في إدارة المرحلة الإنتقالية في ظل تهافت القوى السياسية "ذات الأجندة الخاصة " على سرقة ثورة الشباب ستكون النتائج كارثية. فحدث ما كنا نخشاه ، وفي مخيلتنا أن التطور  التطور السياسي في السودان وتجارب الانتقال السياسي عقب كل ثورة كان الفشل بسبب القوى السياسية.
كيف لزعيم ورئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي يلوح باللجو إلى انتخابات مبكرة.، ويكرر ذلك منذ ستينيات القرن الماضي في العام 1964م. وبالنظر لتلك الدعوة منذ ذلك التاريخ أنها تظهر  كلما تصاعدت حدة الصراع بين القوى السياسية ، وعدم توافقها  حول سير العملية السياسية في مرحلة الانتقال السياسي (الفترة الانتقالية) أو التحول الديمقراطي ، وتهديد استقرارها ، وكانت تستخدم لتهديد الآخرين. مرتكزة في ذلك على ثقلها السياسي في الأرياف التي غالباً ما تكسب  به الدوائر الجغرافية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، هو، هل قواعد الأحزاب الطايفية هي ذات القواعد قبل ثلاثون عاماً؟. تبدو الإجابة من الوهلة الأولى(لا). خاصة وأن الوعي السياسي ارتفعت قيمته وتعززت قوته جراء المشاركة الواسعة للفئيات الاجتماعية بكل مكوناتها في الثورة، ورافضة لتحدث الأحزاب وقياداتها في مسيرات الشباب. ما يؤشر إلى أن اتساع الرقعة الجغرافية للوعي المجتمعي ، وبالتالي اتسعت الرقعة الجغرافية التي كانت تقوم فيها الانتخابات، وهذه الرقعة الجغرافية الواسعة لها مطالبها واستحقاقاتها. لذلك الدعوة  لقيام انتخابات في الوقت الراهن هو رحيل للمجهول وقفزة في الظلالم. ولانجاح لإنتخابات إلا بنجاح المرحلة الانتقالية  التي أمامها الكثير  من المهام وهي مرحلة (تأسيس) للتحول الديمقراطي الحقيقي المستدام. وعلى القوى السياسية بكل أشكالها وتكويناتها أن تنأنى عن المهام التنفيذية في الفترة الانتقالية، وأن تستعد إلى مرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية التي لا تتحمل المناكفات والصراعات الحزبية إلافي إطار تكوين هياكلها وبرامجها والاعتكاف على خططها. أما استقلال الحكومة الإنتقالية لتنفيذ الأجندة الحزبية هو عين الفشل الحقيقي للمرحلة الانتقالية ، وبالتالي هو أول فشل في عملية التحول الد\يمقراطي المرتجى بعد مرحلة الانتقال السياسي.